الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{لَآ أُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة { لا أقسم بهذا البلد } بمكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { لا أقسم بهذا البلد } قال : مكة { وأنت حل بهذا البلد } يعني بهذا النبي صلى الله عليه وسلم ، أحل الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء ، فقتل يومئذ ابن خطل صبراً ، وهو آخذ بأستار الكعبة ، فلم يحل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل فيها حراماً بحرمة الله ، فأحل الله له ما صنع بأهل مكة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { لا أقسم بهذا البلد } قال : مكة { وأنت حل بهذا البلد } قال : أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل به ، وأما غيرك فلا .

وأخرج ابن مردويه عن أبي بزرة الأسلمي رضي الله عنه قال : فيَّ نزلت هذه الآية { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } خرجت فوجدت عبد الله بن خطل متعلقاً بأستار الكعبة فضربت عنقه بين الركن والمقام .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة أخذ أبو برزة الأسلمي وهو سعيد بن حرب عبد الله بن خطل وهو الذي كانت قريش تسميه ذا القلبين ، فأنزل الله { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } [ الأحزاب : 4 ] ، فقدمه أبو برزة فضربت عنقه وهو متعلق بأستار الكعبة ، فأنزل الله فيها { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } وإنما كان ذلك لأنه قال لقريش : أنا أعلم لكم علم محمد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أحب أن تستكتبني قال : فاكتب فكان إذا أملى عليه من القرآن ، وكان الله عليماً حكيماً كتب ، وكان الله حكيماً عليماً ، وإذا أملى عليه وكان الله غفوراً رحيماً كتب وكان الله رحيماً غفوراً . ثم يقول : يا رسول الله اقرأ عليك ما كتبت . فيقول : نعم ، فإذا قرأ عليه وكان الله عليماً حكيماً أو رحيماً غفوراً قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هكذا أمليت عليك ، وإن الله لكذلك إنه لغفور رحيم ، وإنه لرحيم غفور . فرجع إلى قريش فقال : ليس آمره بشيء كنت آخذ به ، فينصرف فلم يؤمنه ، فكان أحد الأربعة الذين لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وسلم » .

وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { لا أقسم } قال : لا رداً عليهم { أقسم بهذا البلد } .

وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن مجاهد { لا أقسم بهذا البلد } يعني مكة { وأنت حل بهذا البلد } يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول : أنت في حل مما صنعت فيه .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { وأنت حل بهذا البلد } يقول : لا تؤاخذ بما عملت فيه وليس عليك فيه ما على الناس .

وأخرج عبد بن حميد عن منصور قال : سأل رجل مجاهداً عن هذه الآية { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } قال : لا أدري ، ثم فسرها لي فقال : { لا أقسم بهذا البلد } الحرام { وأنت حل بهذا البلد } الحرام ، أحل الله له ساعة من النهار قيل له ما صنعت فيه من شيء فأنت في حل .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير { لا أقسم بهذا البلد } قال : مكة .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح { لا أقسم بهذا البلد } قال : مكة { وأنت حل بهذا البلد } قال : أحلت له ساعة من نهار .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك مثله .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { لا أقسم بهذا البلد } قال : مكة { وأنت حل بهذا البلد } قال : أنت به غير حرج ولا آثم .

وأخرج عبد بن حميد عن عطية { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } قال : أحلت مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار ثم حرمت إلى يوم القيامة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { وأنت حل بهذا البلد } قال : أحلها الله لمحمد صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار يوم الفتح .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { وأنت حل بهذا البلد } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يقول : أنت حل بالحرم فاقتل إن شئت أو دع .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } قال : إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لبشر إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار ، ولا يختلي خلاها ، ولا يعضد عضاهها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمعرف .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { وأنت حل بهذا البلد } قال : لم يكن بها أحد حلاً غير النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان بها حرام لم يحل لهم أن يقاتلوا فيها ، ولا يستحلوا حرمه .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن شرحبيل بن سعد { وأنت حل بهذا البلد } قال : يحرمون أن يقتلوا بها الصيد ويعضدوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك .

وأخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } قال : أحل له أن يصنع فيه ما شاء { ووالد وما ولد } يعني بالوالد آدم { وما ولد } ولده .