السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَآ أُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي عشرون آية واثنان وثمانون كلمة وثلاثمائة وعشرون حرفاً .

{ بسم الله } الملك الذي لا راد لأمره { الرحمن } الذي عم سائر خلقه بفضله { الرحيم } الذي خص أهل طاعته بجنته .

واختلف في لا في قوله تعالى : { لا أقسم } فقال الأخفش : إنها مزيدة ، أي : أقسم كما تقدّم في قوله تعالى : { لا أقسم بيوم القيامة } [ القيامة : 1 ] وقد أقسم به سبحانه وتعالى . قال الشاعر :

تذكرت ليلى فاعترتني صبابة *** وكاد صميم القلب لا يتقطع

أي : يتقطع ، ودخل حرف لا صلة ، وكقوله تعالى : { ما منعك أن لا تسجد } [ الأعراف : 12 ] وقد قال تعالى في ص : { ما منعك أن تسجد } [ الأعراف : 12 ] وأجاز الأخفش أيضاً أن تكون بمعنى إلا . وقيل : هي نفي صحيح ، والمعنى : لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه ، حكاه مكي . وأجمعوا على أن المراد بالبلد في قوله تعالى : { بهذا البلد } ، أي : الحرام وهو مكة ، وفضلها معروف فإنه تعالى جعلها حرماً آمناً . وقال تعالى : { ومن دخله كان آمناً } [ آل عمران : 97 ] وجعل مسجده قبلة لأهل المشرق والمغرب . فقال تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [ البقرة : 144 ] وأمر الناس بحج البيت فقال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع } [ آل عمران : 97 ] وقال تعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً } [ البقرة : 125 ] وقال تعالى : { وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت } [ الحج : 26 ] وقال تعالى : { وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } [ الحج : 27 ] وشرف مقام إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [ البقرة : 125 ] وحرم صيده وجعل البيت المعمور بإزائه ، ودحيت الأرض من تحته ، فهذه الفضائل وأكثر منها إنما اجتمعت في مكة لا جرم أقسم الله تعالى بها .