الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لَآ أُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية باتفاق . وهي عشرون آية .

يجوز أن تكون " لا " زائدة ، كما تقدم في " لا أقسم بيوم القيامة " {[16066]} [ القيامة : 1 ] . قاله الأخفش . أي أقسم لأنه قال : " بهذا البلد " وقد أقسم به في قوله : " وهذا البلد الأمين " [ التين : 3 ] فكيف يَجْحَد القسم به وقد أقسم به . قال الشاعر :

تذكَّرْتُ ليلَى فاعْتَرَتْنِي صَبَابَة *** وكاد صميمُ القلبِ لا يَتَقَطَّعُ

أي يتقطع ، ودخل حرف " لا " صلة ، ومنه قوله تعالى : " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك{[16067]} " [ الأعراف : 12 ] بدليل قوله تعالى في " ص ] : " ما منعك أن تسجد{[16068]} " . [ ص : 75 ] . وقرأ الحسن والأعمش وابن كثير " لأقسم " من غير ألف بعد اللام إثباتا . وأجاز الأخفش أيضا أن تكون بمعنى " ألا " . وقيل : ليست بنفي القسم ، وإنما هو كقول العرب : لا والله لا فعلت كذا ، ولا والله ما كان كذا ، ولا والله لأفعلن كذا . وقيل : هي نفي صحيح . والمعنى : لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه ، بعد خروجك منه . حكاه مكي . ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : " لا " رد عليهم . وهذا اختيار ابن العربي ؛ لأنه قال : وأما من قال إنها رد ، فهو قول ليس له رد ؛ لأنه يصح به المعنى ، ويتمكن اللفظ والمراد . فهو رد لكلام من أنكر البعث ثم ابتدأ القسم . وقال القشيري : قوله " لا " رد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة ، المغرور بالدنيا . أي ليس الأمر كما يحسبه ، من أنه لن يقدر عليه أحد ، ثم ابتدأ القسم . و " البلد " : هي مكة ، أجمعوا عليه . أي أقسم بالبلد الحرام الذي أنت فيه ، لكرامتك علي وحبي لك . وقال الواسطي أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حيا ، وبركتك ميتا ، يعني المدينة . والأول أصح ؛ لأن السورة نزلت بمكة باتفاق .


[16066]:راجع جـ 19 ص 90.
[16067]:آية 12 سورة الأعراف راجع جـ 7 ص 170.
[16068]:آية 75.