الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (98)

فيه مسألة واحدة : وهي أن هذه الآية متصلة بقوله : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " [ النحل : 89 ] ، فإذا أخذت في قراءته فاستعذ بالله من أن يعرض لك الشيطان فيصدك عن تدبره والعمل بما فيه ، وليس يريد استعذ بعد القراءة ، بل هو كقولك : إذا أكلت فقل بسم الله ، أي : إذا أردت أن تأكل . وقد روى جبير بن مطعم عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان ، من همزه ونفخه ونفثه ){[10047]} . وروى أبو سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة . قال الكيا الطبري : ونقل عن بعض السلف التعوذ بعد القراءة مطلقا ، احتجاجا بقوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " ، ولا شك أن ظاهر ذلك يقتضي أن تكون الاستعاذة بعد القراءة ، كقوله تعالى : " فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا{[10048]} " [ النساء : 103 ] . إلا أن غيره محتمل ، مثل قوله تعالى : " وإذا قلتم فاعدلوا{[10049]} " [ الأنعام : 152 ] " وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب{[10050]} " [ الأحزاب : 53 ] ، وليس المراد به : أن يسألها من وراء حجاب بعد سؤال متقدم . ومثله قول القائل : إذا قلت فاصدق ، وإذا أحرمت فاغتسل ، يعني : قبل الإحرام . والمعنى في جميع ذلك : إذا أردت ذلك ، فكذلك الاستعاذة . وقد تقدم هذا المعنى{[10051]} . وتقدم القول في الاستعاذة مستوفى{[10052]} .


[10047]:الهمزة: النخس والغمز، وكل شيء دفعته فقد همزته. والنفخ: الكبر. لأن المتكبر يتعاظم ويجمع نفسه ونفسه فيحتاج أن ينفخ. والنفث: قال ابن الأثير: جاء تفسيره في الحديث أنه الشعر، لأنه ينفث من الفم.
[10048]:راجع ج 5 ص 373.
[10049]:راجع ج 7 ص 137.
[10050]:راجع ج 14 ص 227.
[10051]:راجع ج 6 ص 80.
[10052]:راجع ج 1 ص 86.