فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (98)

{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( 98 ) .

ثم لما ذكر سبحانه العمل الصالح والجزاء عليه ، أتبعه بذكر الاستعاذة التي تخلص بها الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ } ، الفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح ، وقيل : هذه الآية متصلة بقوله : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ، والتقدير : فإذا أخذت في قراءته فاستعذ بالله .

قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة : معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، وهذا على مذهب الأكثرين من الفقهاء والمحدثين من أن الاستعاذة تطلب قبل القراءة ، وليس معناه : استعذ بعد أن تقرأ القرآن ، ومثله : إذا أكلت ، فقل : بسم الله .

قال الواحدي : وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة ، إلا ما روي عن أبي هريرة وابن سيرين ، ومالك وحمزة من القراء ، فإنهم قالوا : الاستعاذة بعد القراءة ، ذهبوا إلى ظاهر الآية ، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة وداود الظاهري .

وأما مذهب الأكثرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة وفقهاء الأمصار أنها قبل القراءة كما تقدم ، ومعنى فاستعذ بالله : اسأله سبحانه أن يعيذك { مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } ، أي : من وساوسه لئلا يوسوسك في القراءة ، وفيه دليل على أن المصلي يستعيذ في كل ركعة ؛ لأن الحكم المرتب على شرط يتكرر بتكرره قياسا ، وتعقيبه لذكر العمل الصالح والوعد عليه ، إيذان بأن الاستعاذة عند القراءة من هذا القبيل .

وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها ؛ للتنبيه على أنها لسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها أهم ؛ لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كانت عند إرادة غيره أولى ، كذا قيل ، وتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الاستعاذة ؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان مع عصمته ، فكيف بسائر أمته ، قال السيوطي في الآية ، أي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

وهذا بيان للأفضل ، وإلا فأصل السنة يحصل بأي صيغة كانت من صيغ الاستعاذة ، وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية للندب ، وروي عن