اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (98)

قوله - تعالى - : { فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن } الآية ، لما قال - تعالى- : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] ، أرشد إلى العمل الذي به يخلِّص أعماله من الوساوس ، فقال - جل ذكره - : { فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن } ، أي : فإذا أردت ، فأضمر الإرادة .

قال الزمخشري : " لأنَّ الفعل يوجد عند القصد والإرادة من غير فاصل ، على حسبه ، فكان منه بسببٍ قويٍّ وملابسة ظاهرة " .

وقال ابن عطيَّة{[20057]} : " " فإذَا " وصلة بين الكلامين ، والعرب تستعملها في هذا ، وتقدير الآية : فإذا أخذت في قراءة القرآن ، فاستعذ " .

وهذا مذهب الجمهور من القرَّاء والعلماء ، وقد أخذ بظاهر الآية - فاستعاذ بعد أن قرأ - من الصحابة - أبو هريرة - رضي الله عنه- ، ومن الأئمة : مالك وابن سيرين وداود ، ومن القرَّاء حمزة - رضي الله عنهم ؛ قالوا : لأنَّ الفاء في قوله : { فاستعذ بالله } للتعقيب ، والفائدة فيه : أنه إذا قرأ القرآن يستحقُّ به ثواباً عظيماً ، فإذا لم يأت بالاستعاذة ، وقعت الوسوسة في قلبه ، وذلك الوسواس يحبط ثواب القراءة ، فإذا استعاذ بعد القراءة ، اندفعت تلك الوساوس ، وبقي الثَّواب مصوناً عن الانحطاط .

وذهب الأكثرون : إلى أنَّ الاستعاذة مقدمة على القراءة ، والمعنى : إذا أردت أن تقرأ القرآن ، فاستعذ ؛ كقوله : إذَا أكلت ، فقل : بِسْم الله ، وإذا سافرت ، فتأهَّب ، وقوله - تعالى - : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ } [ المائدة : 6 ] ، وأيضاً : قد ثبت أن الشَّيطان ألقى الوسوسة في أثناء قراءة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ بدليل قوله - عز وجل- : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ } [ الحج : 52 ] ، ومن الظاهر أنه - تعالى - إنما أمر الرَّسول - صلوات الله وسلامه عليه - بالاستعاذة عند القراءة ؛ لدفع تلك الوساوس ، وهذا المقصود إنَّما يحصل عند تقديم الاستعاذة .

وذهب عطاء إلى أنَّ الاستعاذة واجبة عند قراءةِ القرآن ، كانت في الصَّلاة أو غيرها .

ولا خلاف بين العلماء في أن التَّعوذ قبل القراءة في الصَّلاة أوكد .

واعلم أنَّ هذا الخطاب للرسول - صلوات الله وسلامه عليه- ، والمراد منه الكلُّ ؛ لأن الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - إذا كان محتاجاً للاستعاذة عند القراءةِ ، فغيره أولى ، والمراد بالشيطان في هذه الآية : قيل : إبليس ، وقيل : الجنس ؛ لأنَّ جميع المردة لهم حظٌّ في الوسوسة .


[20057]:ينظر: المحرر الوجيز 3/420.