الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (98)

{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ } ، يعني : فإذا كنت قارئاً للقرآن { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } .

قال محمّد بن جرير ، وقال الآخرون : مجازه : فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ ، كقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ } [ المائدة : 6 ] الآية ، أي : الطهارة مقدمة على الصلاة ، وقوله : { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] ، معناها وإذا أردتم تطليق النساء ؛ لأنه محال أن يأمرهم بالتطليق المعين بعد ما مضى التطليق . وأما حكم الآية : فاعلم أن الاستعاذة عند قراءة القرآن مستحبة في الصلاة وغير الصلاة ، هذا قول جماعة الفقهاء إلاّ مالكاً ، فإنه لا يتعوذ إلاّ في قيام رمضان ، واحتج بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، وإنما تأويل هذا الحديث أنه كان يفتتح القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، يدل عليه أن الصلاة تفتتح بالتكبير بلا خلاف على أن الخبر متروك الظاهر .

ويدل على صحة ما قلنا حديث " جبير بن مطعم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي فقال : الله أكبر كبيراً والحمد لله وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثة وهمزة " .

وقال ابن مسعود : نفخة الكبر ، ونفثة الشعر ، وهمزة المرض ، يعني : الجنون ، فإذا تقرر هذا ، ثبت أن الخبر المتقدم متروك بالظاهر مأخوذ المعنى .

واختلف الفقهاء في وقت الاستعاذة :

فقال أكثرهم : قبل القراءة ، وهو قول الجمهور ، وهو الصحيح المشهور .

وقال أبو هريرة : يتعوذ بعد القراءة ، وإليه ذهب داود بن علي .

وقال مالك : في الصلاة التي يتعوذ فيها ، وهي قيام رمضان : يتعوذ بعد القراءة واحتج بظاهر الآية ، وقد بينّا وجهها ، والدليل على أنها قبل القراءة ، ماروى أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ثمّ يقرأ ، وأما الكلام في محل الاستعاذة في الصلاة ، فقد قال الشافعي : يقولها في أول الركعة ، وقيل : إن قال حيث يفتتح كل ركعة قبل القراءة ، فحسن ما يقرأ به في شيء من الصلاة ، كما أمره به في أول ركعة . هذا قول عامة الفقهاء .

وقال ابن سيرين : يتعوذ في كل ركعة قبل القراءة . والصحيح المذهب الأوّل ؛ لأن المروي في الأخبار : أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتعوّذ إلاّ في الأولى ، وأما صفتها وفي الصلاة فهي أن ينظر ، فإن كانت صلاة يسرّ فيها بالقراءة أسرّ فيها بالاستعاذة ، وإن كانت يجهر فيها بالقراءة .

فقال الشافعي في ( الأم ) : روي أن أبا هريرة أمّ الناس رافعاً صوته : ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وكان ابن عمر يعوذ في نفسه .

قال الشافعي : فإن شاء جهر بها ، وإن شاء أسرّ بها .

قال الثعلبي : والاختيار الإخفاء ؛ ليفرّق بين ما هو قرآن وما هو ليس بقرآن .

فأما لفظة الاستعاذة فالأولى والمستحب أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لنص القرآن والخبر المتصل المتسلسل ، وهو أني قرآت على الشيخ أبي الفضل محمّد بن أبي جعفر الخزاعي ، فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في المواضع كلّها ، فأني قرأت على أبي الحسين عبد الرحمن بن محمّد بالبصرة فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على عبد الله أبي حامد الزنجاني فقلت : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على أبي عثمان إسماعيل بن إبراهيم الأهوازي فقلت : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على محمّد بن عبد الله بن بسطام فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على روح بن عبد المؤمن فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على يعقوب الحضرمي فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على سلام بن المنذر ، فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على عاصم فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على زر بن حبيش فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على عبد الله بن مسعود فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أعوذ بالله السميع العليم ، فقال لي : " يا ابن أم عبد قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأنيه جبرائيل عن القلم عن اللوح المحفوظ " .

قال ابن عجلان : وهكذا علمني أخي أحمد ، وقال : هكذا علمني أخي ، وقال : هكذا علمني وكيع بن الجراح ، وقال : هكذا علمني سفيان الثوري .