اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ} (13)

قوله : { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } في هذا الضمير قولان :

أحدهما : أنه يعود للإنسان ، فإن أريد غير آدم فواضح ، ويكون خلقه من سلالة الطين خلق أصله ، وهو آدم ( فيكون على حذف مضاف وإن كان المراد به آدم ، فيكون الضمير عائداً على نسله ، أي : جعلنا نسله ){[32286]} ، فهو على حذف مضاف أيضاً ، ويؤيده قوله : { وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ }{[32287]} {[32288]} [ السجدة : 7 – 8 ] .

أو عاد الضمير على الإنسان اللائق به ذلك ، وهو نسل آدم ، فلفظ الإنسان من حيث هو صالح للأصل والفرع ، ويعود كل شيء لما يليق به وإليه نحا الزمخشري{[32289]} .

قوله : «فِي قَرَارٍ » يجوز أنْ يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «نُطْفَة » .

والقرار : المستقر ، وهو موضع الاستقرار ، والمراد بها الرحم ، وصفت{[32290]} بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها لأحد معنيين{[32291]} : إمَّا على المجاز كطريق سائر ، وإنما السائر من فيه ، وإِمّا لمكانتها في نفسها لأنها تمكنت بحيث هي وأحرزت{[32292]} . ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولاً طيناً ، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم المرأة ، فصار{[32293]} الرحم قراراً مكيناً لهذه النطفة{[32294]} تتخلق فيه إلى أن تصير إنساناً .


[32286]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[32287]:[السجدة: 7 – 8].
[32288]:انظر تفسير ابن عطية 10/334- 335 البحر المحيط 6/398.
[32289]:قال الزمخشري: (فإن قلت: ما معنى جعلنا الإنسان "نطفة"؟ قلت: معناه أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة" الكشاف 3/44.
[32290]:في الأصل: فوصفت.
[32291]:في ب: المعنيين.
[32292]:انظر الكشاف 3/44، أحرزت: يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. اللسان (حرز).
[32293]:في الأصل: وصار.
[32294]:الفخر الرازي 23/85.