الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ} (94)

" فأقبلوا إليه يزفون " قرأ حمزة " يزفون " بضم الياء . الباقون بفتحها . أي يسرعون . قاله ابن زيد . قتادة والسدي : يمشون . وقيل : المعنى يمشون بجمعهم على مهل آمنين أن يصيب أحد آلهتهم بسوء . وقيل : المعنى يتسللون تسللا بين المشي والعدو ، ومنه زفيف النعامة . وقال الضحاك : يسعون وحكى يحيى بن سلام : يرعدون غضبا . وقيل : يختالون وهو مشي الخيلاء ، قاله مجاهد . ومنه أُخِذ زفاف العروس إلى زوجها . وقال الفرزدق :

وجاء قريعُ الشَّوْلِ قبل إِفَالِهَا *** يَزِفُّ وجاءت خَلْفَه وهي زُفَّفُ{[13272]}

ومن قرأ : " يزفون " فمعناه يزفون غيرهم أي يحملونهم على التزفيف . وعلى هذا فالمفعول محذوف . قال الأصمعي : أزففت الإبل أي حملتها على أن تزف . وقيل : هما لغتان يقال : زف القوم وأزفوا ، وزففت العروس وأزففتها وازدففتها بمعنى ، والمزفة : المحفة التي تزف فيها العروس ، حكي ذلك عن الخليل . النحاس : " ويزفون " بضم الياء . زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة ، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء وشبهها بقولهم : أطردت الرجل أي صيرته إلى ذلك . وطردته نحيته ؛ وأنشد هو وغيره :

تمنى حُصَيْنٌ أن يسود جِذَاعَةً *** فأمسى حصين قد أُذِلَّ وأُقْهِرَا{[13273]}

أي صير إلى ذلك ، فكذلك " يزفون " يصيرون إلى الزفيف . قال محمد بن يزيد : الزفيف الإسراع . وقال أبو إسحاق : الزفيف أول عدو النعام . وقال أبو حاتم : وزعم الكسائي أن قوما قرؤوا " فأقبلوا إليه يزفون " خفيفة ؛ من وزف يزف ، مثل وزن يزن . قال النحاس : فهذه حكاية أبي حاتم وأبو حاتم لم يسمع من الكسائي شيئا . وروى الفراء وهو صاحب الكسائي عن الكسائي أنه لا يعرف " يزفون " مخففة . قال الفراء : وأنا لا أعرفها . قال أبو إسحاق : وقد عرفها غيرهما أنه يقال{[13274]} وزف يزف إذا أسرع . قال النحاس : ولا نعلم أحدا قرأ " يزفون " .

قلت : هي قراءة عبد الله بن يزيد فيما ذكر المهدوي . الزمخشري : و " يزفون " على البناء للمفعول . " يزفون " من زفاه إذا حداه ، كأن بعضهم يزف بعضا لتسارعهم إليه . وذكر الثعلبي عن الحسن ومجاهد وابن السميقع : " يرفون " بالراء من رفيف النعام ، وهو ركض بين المشي والطيران .


[13272]:القريع: الفحل المختار للضراب. الشول من النوق جمع شائلة على غير قياس، وهي الناقة التي أتى عليها، حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها. وإفالها: صغارها. ويزف: يعدو. يريد أن القريع يفر من شدة البرد وكذا الإفال.
[13273]:البيت للمخبل السعدي يهجو الزبرقان وقومه، وهم المعروفون بالجذاع. والأصمعي يرويه كما في اللسان مادة قهر، قد أذل وأقهرا بالبناء للمعلوم، أي صار أمره إلى الذل والقهر.
[13274]:الزيادة من إعراب القرآن للنحاس.