الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ} (7)

" خشعا أبصارهم " الخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن أثر العز والذل يتبين في ناظر الإنسان ، قال الله تعالى : " أبصارها خاشعة{[14451]} " [ النازعات : 9 ] وقال تعالى : " خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي{[14452]} " [ الشورى : 45 ] . ويقال : خشع واختشع إذا ذل . وخشع ببصره أي غضه . وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو " خاشعا " بالألف ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد ، نحو : " خاشعا أبصارهم " والتأنيث نحو : " خاشعة أبصارهم{[14453]} " [ القلم : 43 ] ويجوز الجمع نحو : " خشعا أبصارهم " قال{[14454]} :

وشبابٍ حسنٍ أوجهُهُم *** مِنْ إياد بن نزارِ بن مَعَد

و " خشعا " جمع خاشع والنصب فيه على الحال من الهاء والميم في " عنهم " فيقبح الوقف على هذا التقدير على " عنهم " . ويجوز أن يكون حالا من المضمر في " يخرجون " فيوقف على " عنهم " . وقرئ " خشع أبصارهم " على الابتداء والخبر ، ومحل الجملة النصب على الحال ، كقوله :

[ وجدته ]{[14455]} حاضرَاهُ الجُود والكرم

قوله تعالى : " يخرجون من الأجداث " أي القبور واحدها جدث . " كأنهم جراد منتشر " وقال في موضع آخر : " يوم يكون الناس كالفراش المبثوث{[14456]} " [ القارعة : 4 ] فهما صفتان في وقتين مختلفين ، أحدهما : عند الخروج من القبور ، يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ، فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض لا جهة له يقصدها .

الثاني{[14457]} : فإذا سمعوا المنادي قصدوه فصاروا كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد له جهة يقصدها .


[14451]:راجع جـ 19 ص 194.
[14452]:راجع جـ 15 ص 45.
[14453]:راجع جـ 18 ص 248.
[14454]:هو الحرث بن دوس الإيادي، ويروى لأبي دؤاد الإيادي.
[14455]:الزيادة من إعراب القرآن للسمين.
[14456]:راجع جـ 20 ص 165.
[14457]:الزيادة من مفصل إعراب القرآن وغيره.