الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَطَلۡحٖ مَّنضُودٖ} (29)

قوله تعالى : " وطلح منضود " الطلح شجر الموز واحده طلحة . قاله أكثر المفسرين علي وابن عباس وغيرهم . وقال الحسن : ليس هو موز ولكنه شجر له ظل بارد رطب . وقال الفراء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك ، قال بعض الحداة{[14640]} وهو الجعدي :

بشّرها دليلها وقالا *** غدا تَرَيْنَ الطَّلْحَ والأحْبَالاَ{[14641]}

فالطلح كل شجر عظيم كثير الشوك . الزجاج : يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه . وقال الزجاج أيضا : كشجر أم غيلان له{[14642]} نور طيب جدا فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله ، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا . وقال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " طلع منضود " بالعين وتلا هذه الآية " ونخل طلعها هضيم{[14643]} " [ الشعراء : 148 ] وهو خلاف المصحف . في رواية أنه قرئ بين يديه " وطلح منضود " فقال : ما شأن الطلح ؟ إنما هو " وطلع منضود " ثم قال : " لها طلع نضيد " [ ق : 10 ] فقيل له : أفلا نحولها ؟ فقال : لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحول . فقد اختار هذه القراءة ولم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رسمه مجمع عليه . قاله القشيري . وأسنده أبو بكر الأنباري قال : حدثني أبي قال حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن عباد قال : قرأت عند علي أو قرئت عند علي - شك مجالد - " وطلح منضود " فقال علي رضي الله عنه : ما بال الطلح ؟ أما تقرأ " وطلع " ثم قال : " لها طلع نضيد " [ ق : 10 ] فقال له : يا أمير المؤمنين أنَحُكُّها من المصحف ؟ فقال : لا{[14644]} لا يُهَاجُ القرآن اليوم . قال أبو بكر : ومعنى هذا أنه رجع إلى ما في المصحف وعلم أنه هو الصواب ، وأبطل الذي كان فرط من قول . والمنضود المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ، ليست له سوق بارزة بل هو مرصوص ، والنَّضْد هو الرصّ والمُنَضّد المرصوص ، قال النابغة :

خَلّتْ سبيلَ أَتِيٍّ كان يَحْسِبُهُ *** ورَفَّعَتْه إلى السِّجْفَيْنِ فالنَّضَد

وقال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ثمر كله ، كلما أكل ثمرة عاد مكانها أحسن منها .


[14640]:كذا في الأصول "الحداة" بالحاء المهملة والذي في تفسير الطبري "الحداة" بالجيم.
[14641]:الأحبال جمع حبلة بالضم: ثمر السلم والبال والسمر أو ثمر العضاه عامة.
[14642]:زيادة يقتضيها السياق.
[14643]:راجع جـ 13 ص 127.
[14644]:زيادة من ب.