قوله : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } .
قال ابن عبَّاس وغيره : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } أي : في نَبْق قد خُضِدَ شَوْكُه{[54838]} .
وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا صفوان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة ، قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم ، قال : «أقبل أعرابي يوماً ، فقال : يا رسول الله : لقد ذكر الله شجرة في القرآن مُؤذية ، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومَا هِيَ ؟ .
قال : السِّدْر ، فإن له شوكاً مؤذياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أو لَيْسَ يقولُ : «سِدْرٌ مخْضُودٌ » خضد الله شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها تنبت ثمراً ، يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام ، ما فيه لون يشبه الآخر »{[54839]} .
وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى «وجٍّ » - وهو واد ب «الطائف » مخصب - فأعجبهم سدره ، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذه ، فنزلت .
قال أمية بن أبي الصَّلت رضي الله عنه يصف الجنَّة : [ الكامل ]
إنَّ الحَدَائِقَ في الجِنَانِ ظَليلَةٌ *** فِيهَا الكَواعِبُ سِدْرُهَا مَخْضُودُ{[54840]}
وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان : «في سدر مخضود » هو الموقر حملاً{[54841]} .
وقال سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال{[54842]} .
قوله : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } .
و«الطَّلْحُ » : جمع الطَّلحة . قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين : الطَّلْح : شجر الموز ، واحده طلحة{[54843]} .
وقال الحسن : ليس موزاً ، ولكنه شجر له ظل بارد رطب{[54844]} .
وقال الفرَّاء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك .
بَشَّرها دليلُها وقَالاَ *** غَداً تَريْنَ الطَّلْحَ والحِبَالا{[54845]}
ف «الطَّلْح » : كل شجر عظيم كثير الشوك .
وقال الزجاج{[54846]} : هو شجر أم غيلان .
وقال مجاهد : ولكن ثمرها أحلى من العسل{[54847]} .
وقال الزجاج : لها نور طيب جدًّا فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله إلاَّ أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا .
وقال السُّدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا ، لكن له ثمر أحلى من العسل{[54848]} .
وقوله : «مَنْضُودٍ » . أي متراكب .
قال المفسرون : موقور من الحمل حتى لا يبين ساقه من كثرة ثمره ، وتثني أغصانه .
وقرأ علي - رضي الله عنه - وعبد الله ، وجعفر بن محمد : «وطَلْعٍ » بالعين ، لقوله تعالى : { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [ الشعراء : 148 ] .
ولما قرأ عليٌّ - رضي الله عنه - قال : «وما شأن الطَّلْح » واستدل بقوله { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] ، فقيل : أنحولها ؟ فقال : لا ينبغي أن يُهَاج القرآن اليوم ولا يحوَّل{[54849]} .
فقد اختار هذه القراءة ، ويروى عن ابن عباس مثله .
قال القرطبي{[54850]} : «فلم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رسمه مجمع عليه ، قاله القشيري وأسنده أبو بكر بن الأنباري بسنده إلى عليٍّ رضي الله عنه » .
قال ابن الخطيب{[54851]} : المخضود : المأخوذ الشوك .
وقيل : المتعطف إلى أسفل ، فإن رءوس أغصان السِّدر في الدنيا تميل إلى فوق لعدم ما يثقله بخلاف أشجار الجنة فإن رءوسها تتدلَّى .
والظاهر : أن الطَّلح شجر الموز ، وذكر طرفين ليندرج ما بينهما ، فإن ورق السِّدْر صغير ، وورق الطلح وهو الموز كبير ، وبينهما أنواع من الأوراق متوسطة كما ذكر في النخل والرمان ، كقولهم : فلان يرضي الصغير والكبير ، فيدخل ما بينهما .
و«المَنْضُود » : المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ، ليست له سوقٌ بارزة ، بل هو مرصوص .
و«النّضد » : هو الرَّص ، و«المنضود » : المرصوص .
قال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ، ثمر{[54852]} كله كلما أكلت ثمرة عاد مكانها أحسن منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.