الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ} (29)

" لواحة للبشر " أي مغيرة من لاحه إذا غيره . وقراءة العامة " لواحة " بالرفع نعت ل " سقر " في قوله تعالى : " وما أدراك ما سقر " . وقرأ عطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر " لواحة " بالنصب على الاختصاص ، للتهويل . وقال أبو رزين : تلفح وجوههم لفحة تدعها أشد سوادا من الليل ، وقاله مجاهد . والعرب تقول : لاحه البرد والحر والسقم والحزن : إذا غيره ، ومنه قول الشاعر :

تقولُ ما لاَحَكَ يا مسافرُ *** يا ابنةَ عمي لاحَنِي الهواجِرُ{[15583]}

وقال آخر :

وتعجبُ هند أنْ رأتني شَاحِبًا *** تقول لشيء لَوَّحَتْهُ السَّمَائِمُ{[15584]}

وقال رؤبة بن العجاج :

لوَّحَ منه بعدَ بُدْنٍ وسَنَقْ *** تلويحَكَ الضَّامِرَ يُطْوَى للسَّبَقْ{[15585]}

وقيل : إن اللوح شدة العطش . يقال : لاحه العطش ولوحه أي غيره . والمعنى أنها معطشة للبشر أي لأهلها ، قاله الأخفش ، وأنشد :

سقتني على لوحٍ من الماءِ شَرْبَةً *** سقاها بها الله الرِّهَامَ الغَوَادِيَا

يعني باللوح شدة العطش ، والتاح أي عطش ، والرهام جمع رهمة بالكسر ، وهي المطرة الضعيفة ، وأرهمت السحابة أتت بالرهام . وقال ابن عباس : " لواحة " أي تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام . الحسن وابن كيسان : تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا . نظيره : " وبرزت الجحيم للغاوين " [ الشعراء : 91 ] وفي البشر وجهان : أحدهما : أنه الإنس من أهل النار ، قاله الأخفش والأكثرون . الثاني : أنه جمع بشرة ، وهي جلدة الإنسان الظاهرة ، قال مجاهد وقتادة ، وجمع البشر أبشار ، وهذا على التفسير الأول ، وأما على تفسير ابن عباس فلا يستقيم فيه إلا الناس لا الجلود ؛ لأنه من لاح الشيء يلوح ، إذا لمع .


[15583]:الهواجر: جمع هاجرة، وهي شدة الحر عند منتصف النهار.
[15584]:السمائم: جمع سموم وهي الريح الحارة.
[15585]:لوحة السفر غيره وأضمره. والبدن: السمن واكتناز اللحم. والسبق: الشبع حتى يكون كالتخمة. الضامر: الفرس. يطوى: يجوع لأجل السباق.