لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (28)

قوله جل ذكره : { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } .

الله - سبحانه مُحْيِي القلوب ؛ فكما أنه { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } ، فبعدما أصابت الأرضَ جدوبةٌ ، وأبطأ نزولُ الغيثِ ، وقَنِطَ الناسُ من مجيء المطر ، وأشرفَ الوقتُ على حدِّ الفَواتِ يُنَزِّلُ اللَّهُ بفضله الغيثَ ، ويحيي الأَرضَ بعد قنوطِ أهلها . . فكذلك العبد ؛ إذا ذَبُلَ غُصْنُ وقته ، وتكَدَّرَ صَفْوُ ودِّه ، وكسفت شمسُ أُنْسِه ، وبَعُدَ عن الحضرةِ وساحاتِ القرب عَهْدُه فلربما ينظر إليه الحقُّ برحمته ؛ فينزل على سِرِّه أمطارَ الرحمة ، ويعود عودُه طريًّا ، ويُنْبِتُ في مشاهدة أُنْسِه ورداً جَنِيًّا . . وأنشدوا :

إنْ راعني منك الصدود *** فلعلَّ أيامي تعود

ولعلَّ عهدك باللَّوى *** يحيا فقد تحيا العهود

والغصن ييبس تارةً *** وتراه مُخْضرًّا يميد