الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (28)

وقوله عز وجل : { وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } الآية ، تعديدُ نِعَمِ اللَّه تعالى الدَّالَّةِ على وَحْدَانِيَّتِهِ ، وأَنَّه المولى الذي يستحقُّ أَنْ يُعْبَدُ دونَ ما سواه من الأنداد ، وقرأ الجمهور : ( قَنَطُوا ) بفتح النون ، وقرأ الأعمش : ( قَنِطُوا ) بكسرها ، وهما لغتان ، ورُوِيَ أَنَّ عمر رضي اللَّه عنه قيل له : أجدبت الأرض ، وقَنِطَ النَّاس ، فقال : مُطِرُوا إذَنْ ، بمعنى أنَّ الفرج عند الشِّدَّةِ .

وقوله تعالى { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } قيل : أراد بالرحمة : المطر ، وقيل : أراد بالرحمة هنا : الشمْسَ ، فذلك تعديد نعمة غير الأولى ، وذلك أَنَّ المطر إذا أَلَمَّ بعد القنط حَسُنَ موقعُهُ ، فإذا دَامَ سُئِمَ ، فتجيء الشمْسُ بعده عظيمةَ المَوْقِعِ .

وقوله تعالى : { وَهُوَ الولي الحميد } أي : مَنْ هذه أفعاله هو الذي ينفع إذا والى ، وتُحْمَدُ أفعاله ونعمه . قال القُشَيْرِيُّ : اسمه تعالى : الولي ، أي : هو المتولِّي لأحوال عباده ، وقيل : هو من الوالي ، وهو الناصر ، فأولياءُ اللَّه أنصار دينه ، وأشياعُ طاعته ، والوليُّ : في صفة العبد مَنْ يُوَاظِبُ على طاعة رَبِّه ، ومِنْ علاماتِ مَنْ يكونُ الحَقُّ سبحانه وَلِيَّهُ أنْ يصونه ، ويكفِيَهُ في جميع الأحوال ، ويُؤَمِّنَهُ ، فيغارَ على قلبه أنْ يتعلَّقَ بمخلوقٍ في دفع شَرٍّ أو جَلْبِ نَفْعٍ ؛ بل يكونُ سبحانه هو القائِمَ على قلبه في كُلِّ نَفَسٍ ، فيحقِّق آماله عند إشاراته ، ويعجِّل مَآرِبَهُ عند خَطَرَاتِهِ ، ومن أماراتِ ولايته لِعَبْدِهِ : أنْ يُدِيمَ توفيقَهُ حتى لو أرادَ سُوآ ، أو قصد محظوراً عَصَمَهُ عن ارتكابه ، أو لو جنح إلى تقصير في طاعة ، أبى إلاَّ توفيقاً وتأييداً ، وهذا من أماراتِ السعادَةِ ، وعَكْسُ هذا مِنْ أماراتِ الشقاوة ، ومن أمارات ولايته أيضاً أنْ يرزقه مَوَدَّةً في قُلُوب أوليائه ، انتهى من «التحبير » .