في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

36

فأزالوا العوائق التي تقوم بينهم وبين ربهم . أزالوا هذه العوائق الكامنة في النفس دون الوصول . وما يقوم بين النفس وربها إلا عوائق من نفسها . عوائق من شهواتها ونزواتها . عوائق من وجودها هي وتشبثها بذاتها . فأما حين تخلص من هذا كله فإنها تجد الطريق إلى ربها مفتوحاً وموصولا . وحينئذ تستجيب بلا عائق . تستجيب بكلياتها . ولا تقف أمام كل تكليف بعائق من هوى يمنعها . . وهذه هي الاستجابة في عمومها . . ثم أخذ يفصل بعض هذه الاستجابة :

وأقاموا الصلاة . .

وللصلاة في هذا الدين مكانة عظمى ، فهي التالية للقاعدة الأولى فيه . قاعدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وهي صورة الاستجابة الأولى لله . وهي الصلة بين العبد وربه . وهي مظهر المساواة بين العباد في الصف الواحد ركعاً سجداً ، لا يرتفع رأس على رأس ، ولا تتقدم رجل على رجل !

ولعله من هذا الجانب أتبع إقامة الصلاة بصفة الشورى - قبل أن يذكر الزكاة :

( وأمرهم شورى بينهم )

والتعبير يجعل أمرهم كله شورى ، ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة . وهو كما قلنا نص مكي . كان قبل قيام الدولة الإسلامية . فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين . إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها ، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد .

والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية . والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية .

ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكراً ، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها . إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية ، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية . وهي من ألزم صفات القيادة .

أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوباً في قالب حديدي ؛ فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان ، لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية . والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالاً جامدة ، وليست نصوصاً حرفية ، إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب ، وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة . والبحث في أشكال الأنظمة الإسلامية دون الاهتمام بحقيقة الإيمان الكامنة وراءها لا يؤدي إلى شيء . . وليس هذا كلاماً عائماً غير مضبوط كما قد يبدو لأول وهلة لمن لا يعرف حقيقة الإيمان بالعقيدة الإسلامية . فهذه العقيدة - في أصولها الاعتقادية البحتة ، وقبل أي التفات إلى الأنظمة فيها - تحوي حقائق نفسية وعقلية هي في ذاتها شيء له وجود وفاعلية وأثر في الكيان البشري ، يهيئ لإفراز أشكال معينة من النظم وأوضاع معينة في الحياة البشرية ؛ ثم تجيء النصوص بعد ذلك مشيرة إلى هذه الأشكال والأوضاع ، لمجرد تنظيمها لا لخلقها وإنشائها . ولكي يقوم أي شكل من أشكال النظم الإسلامية ، لا بد قبلها من وجود مسلمين ، ومن وجود إيمان ذي فاعلية وأثر . والإ فكل الأشكال التنظيمية لا تفي بالحاجة ، ولا تحقق نظاماً يصح وصفه بأنه إسلامي . .

ومتى وجد المسلمون حقاً ، ووجد الإيمان في قلوبهم بحقيقته ، نشأ النظام الإسلامي نشأة ذاتية ، وقامت صورة منه تناسب هؤلاء المسلمين وبيئتهم وأحوالهم كلها ؛ وتحقق المبادئ الإسلامية الكلية خير تحقيق .

( ومما رزقناهم ينفقون ) . .

وهو نص مبكر كذلك على تحديد فرائض الزكاة التي حددت في السنة الثانية من الهجرة . ولكن الإنفاق العام من رزق الله كان توجيهاً مبكراً في حياة الجماعة الإسلامية . بل إنه ولد مع مولدها .

ولا بد للدعوة من الإنفاق . لا بد منه تطهيراً للقلب من الشح ، واستعلاء على حب الملك ، وثقة بما عند الله . وكل هذه ضرورية لاستكمال معنى الإيمان . ثم إنها ضرورية كذلك لحياة الجماعة . فالدعوة كفاح . ولا بد من التكافل في هذا الكفاح وجرائره وآثاره . وأحياناً يكون هذا التكافل كاملاً بحيث لا يبقى لأحد مال متميز . كما حدث في أول العهد بهجرة المهاجرين من مكة ، ونزولهم على إخوانهم في المدينة . حتى إذا هدأت حدة الظروف وضعت الأسس الدائمة للإنفاق في الزكاة .

وعلى أية حال فالإنفاق في عمومه سمة من سمات الجماعة المؤمنة المختارة للقيادة بهذه الصفات . .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

{ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } أي ذو شورى ومراجعة في الآراء بينهم بناء على أن الشورى مصدر كالبشرى فلا يصح الأخبار لأن الأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة ، وأورد أنه يقال من غير تأويل شأني الكرم والأمر هنا بمعنى الشأن ، نعم إذا حمل على القضايا المتشاور فيها احتاج إلى التأويل أو قصد المبالغة ، وقيل : أن إضافة المصدر للمعوم فلا يصح الأخبار إلا بالتأويل ورد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمروهم وفيه نظر ، وقال الراغب : المشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم : شرت العسل وأشرته استخرجته والشورى الأمر الذي يتشاور فيه انتهى ، والمشهور كونه مصدراً ، وجيء بالجملة اسمية مع أن المعطوف عليه جملة فعلية للدلالة على أن التشاور كان حالهم المستمرة قبل الإسلام وبعده ، وفي الآية مدح للتشاور لاسيما على القول بأن فيها الأخبار بالمصدر ، وقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدى لأرشد الأمور » ، وأخرج عبد بن حميد . والبخاري في الأدب . وابن المنذر عن الحسن قال : ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم ثم تلا { وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } ، وقد كانت الشورى بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب ، وكذا بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام ، وكانت بينهم أيضاً في الأحكام كقتال أهل الردة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك ، والمراد بالأحكام ما لم يكن لهم فيه نص شرعي وإلا فالشورى لا معنى لها وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله عز وجل إلى آراء الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير ، ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال : اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد ، وينبغي أن يكون المستشار عاقلاً كما ينبغي أن يكون عابداً ، فقد أخرج الخطيب أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً «استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا » والشورى على الوجه الذي ذكرناه من جملة أسباب صلاح الأرض ففي الحديث «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها » وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان افسادها للدين والدنيا أكثر من اصلاحها { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } أي في سبيل الخير لأنه مسوق للمدح ولا مدح بمجرد الإنفاق ، ولعل فصله عن قرينة بذكر المشاورة لأن الاستجابة لله تعالى وأقام الصلاة كانا من آثارها ، وقيل : لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

قوله تعالى : { والذين استجابوا لربهم } أجابوه إلى ما دعاهم إليه من طاعته ، { وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم } يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون . { ومما رزقناهم ينفقون* }