في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

32

وفي ظل هذا المصير المخيف للذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول . . يلتفت إلى الذين آمنوا ليحذرهم ظل هذا المصير ، ويوجههم إلى طاعة الله وطاعة الرسول :

( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، ولا تبطلوا أعمالكم ) . .

وهذا التوجيه يوحي بأنه كان في الجماعة المسلمة يومئذ من لا يتحرى الطاعة الكاملة ؛ أو من تثقل عليه بعض التكاليف ، وتشق عليه بعض التضحيات ، التي يقتضيها جهاد هذه الطوائف القوية المختلفة التي تقف للإسلام ، وتناوشه من كل جانب ؛ والتي تربطها بالمسلمين مصالح ووشائج قربى يصعب فصمها والتخلي عنها نهائيا كما تقتضي العقيدة ذلك .

ولقد كان وقع هذا التوجيه عنيفا عميقا في نفوس المسلمين الصادقين ؛ فارتعشت له قلوبهم ، وخافوا أن يقع منه ما يبطل أعمالهم ، ويذهب بحسناتهم . .

قال الإمام أحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا أبو قدامة ، حدثنا وكيع ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : كان أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) . . فخافوا أن يبطل الذنب العمل .

وروي من طريق عبد الله بن المبارك ، أخبرني بكر بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " كنا معشر أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول ، حتى نزلت : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) . . فقلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ? فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش . حتى نزل قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) . . فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك . فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ونرجو لمن لم يصبها " .

ومن هذه النصوص يتجلى كيف كانت نفوس المسلمين الصادقين تتلقى آيات القرآن : كيف تهتز لها وتضطرب ، وكيف ترتجف منها وتخاف ، وكيف تحذر أن تقع تحت طائلتها ، وكيف تتحرى أن تكون وفقها ، وأن تطابق أنفسها عليها . . وبهذه الحساسية في تلقي كلمات الله كان المسلمون مسلمين من ذلك الطراز !

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

{ ياأيها الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم } قيل : إن بني أسد أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا كأنهم منوا بذلك فنزلت فيهم هذه وقوله تعالى : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } [ الحجرات : 17 ] ومن هنا قيل المعنى لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإسلام ، وعن ابن عباس بالرياء والسمعة وعنه أيضاً بالشك والنفاق ، وقيل : بالعجب فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، وقيل : المراد بالأعمال الصدقات أي تبطلوها بالمن والأذى ، وقيل : لا تبطلوا طاعاتكم بمعاصيكم ، أخرج عبد بن حميد . وابن جرير . عن قتادة أنه قال في الآية : من استطاع منكم أن لا يبطل عملاً صالحاً بعمل سوء فليفعل ولا قوة إلا بالله تعالى ، وأخرج عبد بن حميد . ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة . وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم } فخافوا أن يبطل الذنب العمل ، ولفظ عبد بن حميد فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم ، وأخرج ابن نصر . وابن جرير . وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كنا معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبولاً حتى نزلت { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم } { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم } فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا : قد هلك حتى نزلت هذه الآية { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له ، واستدل المعتزلة بالآية على أن الكبائر تحبط الطاعات بل الكبيرة الواحدة تبطل مع الإصرار الأعمال ولو كانت بعدد نجوم السماء ، وذكروا في ذلك من الأخبار ما ذكروا . وفي «الكشف » لا بد في هذا المقام من تحرير البحث بأن يقال : إن أراد المعتزلة أن نحو الزنا إذا عقب الصلاة يبطل ثوابها مثلاً فهذا لا دليل عليه نقلاً وعقلاً بل هما متعادلان على ما دل عليه صحاح الأحاديث ، وكفى بقوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ، 8 ] حجة بالغة ، وإن أرادوا أن عقابه قد يكبر حتى لا يعاد له صغار الحسنات فهذا صحيح والكلام حينئذٍ في تسميته أحباطاً ، ولا بأس به لكن عندنا أن هذا الإحباط غير لازم وعندهم لازم ، وهو مبني على جواز العفو وهي مسألة أخرى ، وأما الكبيرة التي تختص بذلك العمل كالعجب ونحو المن والأذى بعد التصدق فهي محبطة لا محالة اتفاقاً ، وعليه يحمل ما نقل من الآثار ، ومن لا يسميه إحباطاً لأنه يجعله شرطاً للقبول والإحباط أن يصير الثواب زائلاً وهذا لا يتأتى إذا لم يثبت له ثواب فله ذلك ، وهو أمر يرجع إلى الاصطلاح انتهى وهو من الحسن بمكان ؛ وإعادة الفعل في { وَأَطِيعُواْ الرسول } للاهتمام بشأن إطاعته عليه الصلاة والسلام .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } قال عطاء : بالشك والنفاق ، وقال الكلبي : بالرياء والسمعة ، وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر . وقال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال . وقال مقاتل : لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم ، نزلت في بني أسد ، وسنذكره في سورة الحجرات إن شاء الله تعالى .