السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

{ يا أيها الذين آمنوا } أي : أقرّوا بألسنتهم { أطيعوا الله } أي : الملك الأعظم تصديقاً لدعواكم طاعة لشدّة الاجتهاد فيها أنها خالصة ، وعظم الرسول صلى الله عليه وسلم بإفراده فقال تعالى : { وأطيعوا الرسول } لأنّ طاعته من طاعة الذي أرسله ، فإذا فعلتم ذلك حصنتم أنفسكم وأعمالكم ، فتكون صحيحة ببنائها على الطاعة بتصحيح النيات وتصفيتها مع الإحسان للصورة في الظاهر ، ليستكمل العمل صورة وروحاً { ولا تبطلوا أعمالكم } قال عطاء بالشك والنفاق . وقال الكلبي : بالرياء والسمعة . وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر . وقال أبو العالية : «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية » فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال . وقال مقاتل : لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد . قال تعالى { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ]

وعن حذيفة فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم . وعن ابن عمر : كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولاً حتى { نزل ولا تبطلوا أعمالكم } فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش ، حتى نزل { إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] فكففنا عن القول في ذلك ، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها . وعن قتادة : رحم الله عبداً لم يحبط عمله الصالح بعمله السيئ . وعن ابن عباس : لا تبطلوا بالرياء والسمعة أعمالكم . وعنه أيضاً : بالشك والنفاق . وقيل بالعجب ، فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .