الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " لما بين حال الكفار أمر المؤمنين بلزوم الطاعة في أوامره والرسول في سننه . " ولا تبطلوا أعمالكم " أي حسناتكم بالمعاصي ، قاله الحسن . وقال الزهري : بالكبائر . ابن جريج : بالرياء والسمعة . وقال مقاتل والثمالي : بالمن ، وهو خطاب لمن كان يمن على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه . وكله متقارب ، وقول الحسن يجمعه . وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات ، والمعاصي تخرج عن الإيمان .

الثانية- احتج علماؤنا وغيرهم بهذه الآية على أن التحلل من التطوع - صلاة كان أو صوما - بعد التلبس به لا يجوز ، لأن فيه إبطال العمل وقد نهى الله عنه . وقال من أجاز ذلك - وهو الإمام الشافعي وغيره - : المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض ، فنهى الرجل عن إحباط ثوابه . فأما ما كان نفلا فلا ، لأنه ليس واجبا عليه . فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه أن النفل تطوع ، والتطوع يقتضي تخييرا . وعن أبي العالية كانوا يرون أنه لا يضر مع الإسلام ذنب ، حتى نزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال . وقال مقاتل : يقول الله تعالى إذا عصيتم الرسول فقد أبطلتم أعمالكم .