لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } لما ذكر الله عز وجل الكفار بسبب مشاقتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } قال عطاء : يعني بالشرك والنفاق والمنى . داوموا على ما أنتم عليه من الإيمان والطاعة ولا تشركوا فتبطل أعمالكم . وقيل : لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصيانه . وقال الكلبي : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والسمعة لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم . وقال الحسن : لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي والكبائر . قال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضرهم مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الآية فخافوا من الكبائر بعد أن نحبط أعمالهم واستدل بهذه الآية من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي ولا حجة لهم فيها وذلك لأن الله تعالى يقول : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } وقال تعالى : { وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً } فالله تعالى أعدل وأكرم من أن يبطل طاعات سنين كثيرة بمعصية واحدة وروى ابن عمر أنه قال : كنا نرى أنه لا شيء من حسناتنا إلا مقبولاً حتى نزل { ولا تبطلوا أعمالكم } فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا . فقلنا : الكبائر والفواحش حتى نزل { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فكففنا عن ذلك القول وكنا نخاف على من أصاب الكبيرة ونرجو لمن لم يصبها واستدل بهذه الآية من لا يرى أبطال النوافل حتى لو دخل في صلاة تطوع أو صوم تطوع لا يجوز له إبطال ذلك العمل والخروج منه ولا دليل لهم في الآية ولا حجة لأن السنة مبينة للكتاب «وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً فلما رجع إلى البيت وجد حيساً فقال لعائشة قربيه فلقد أصبحت صائماً فأكل » وهذا معنى الحديث وليس بلفظه وفي الصحيحين أيضاً أن سلمان زار أبا الدرداء فصنع له طعاماً فلما قربه إليه قال . كل فإني صائم قال لست بآكل حتى تأكل فأكل معه وقال مقاتل في معنى الآية لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطل أعمالكم نزلت في بني أسد وسنذكر القصة في تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى .