فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (33)

{ ولا تبطلوا أعمالكم } قال الحسن : أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي ، وقال الزهري : بالكبائر وهو الأولى ، وقال الكلبي وابن جريج : بالرياء والسمعة ، وقال مقاتل : بالمن ، وقال عطاء : بالنفاق والشرك ، قلت : والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال ، كائنا ما كان ، من غير تخصيص بنوع معين ، عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، حتى نزلت هذه الآية ، فخافوا أن يبطل الذنب العمل ، وفي لفظ فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم .

" وعن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول ، حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا : الكبائر الموجبات ، والفواحش ، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا قد هلك حتى نزلت هذه الآية { إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك ، وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئا رجوناه " {[1499]} .

واستدل بهذه الآية من لا يرى إبطال النوافل ، حتى لو دخل في صلاة تطوع ، أو صوم تطوع ، لا يجوز له إبطال ذلك العمل والخروج منه ، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ، وقال الشافعي بخلافه ، ولا دليل لهم في الآية ، ولا حجة ، لأن السنة مبينة للكتاب .

وقد ثبت في الصحيحين : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائما فلما رجع إلى البيت وجد حيسا ، فقال لعائشة : قربيه فلقد أصبحت صائما ، فأكل ، " {[1500]} وهذا معنى الحديث ، وليس بلفظه ، فليس في هذه الآية دليل كما ظنه الزمخشري على إحباط الطاعات بالكبائر على ما زعمت المعتزلة والخوارج ، فجمهورهم على أن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات ، حتى إن من عبد الله طول عمره ،


[1499]:انظر زاد المسير.
[1500]:صحيح البخاري.