في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

69

ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ :

( فلما أسلما وتله للجبين ) . .

ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . .

إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً . وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً .

لقد أسلما فهذا هو الإسلام . هذا هو الإسلام في حقيقته . ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم . . وتنفيذ . . وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم .

إنها ليست الشجاعة والجراءة . وليس الاندفاع والحماسة . لقد يندفع المجاهد في الميدان ، يقتل و يقتل . ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود . ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر . . ليس هنا دم فائر ، ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص ! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد ، العارف بما يفعل ، المطمئن لما يكون . لا بل هنا الرضى الهادى ء المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل !

وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا . كان قد أسلما . كانا قد حققا الأمر والتكليف . ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل ، ويسيل دمه ، وتزهق روحه . . وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله ، بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما . .

كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . ونتائجه قد ظهرت . وغاياته قد تحققت . ولم يعد إلا الألم البدني . والإ الدم المسفوح . والجسد الذبيح . والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء . ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا ، وقد حققوا التكليف ، وقد جازوا الامتحان بنجاح .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي استسلما وانقادا لأمر الله تعالى فالفعل لازم أو سلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه على أنه متعد والمفعول محذوف .

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه . وابن عباس . وعبد الله . ومجاهد . والضحاك . وجعفر بن محمد . والأعمش . والثوري { سلاما } وخرجت على ما سمعت ، ويجوز أن يكون المعنى فوضاً إليه تعالى في قضائه وقدره ، وقرئ { *استسلما } وأصل الأفعال الثلاثة سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه { أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض ، وأصل التل الرمي على التل وهو التراب المجتمع ثم عمم في كل صرع ، والجبين أحد جانبي الجبهة وشذ جمعه على أجبن وقياسه في القلة أجبنة ككثيب وأكثبة وفي الكثرة جبنان وجبن ككثبان وكثب ، واللام لبيان ما خر عليه كما في قوله تعالى : { يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ } [ الإسراء : 107 ] وقوله

: وخر صريعاً لليدين وللفم *** وليست للتعدية ، وقيل المراد كبه على وجهه وكان ذلك بإشارة منه . أخرج غير واحد عن مجاهد أنه قال لأبيه : لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني فلا تجهز علي اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض ففعل فكان ما كان ، ولا يخفى أن إرادة ذلك من الآية بعيد ، نعم لا يبعد أن يكون الذبيح قال هذا .

وفي الآثار حكاية أقوال غير ذلك أيضاً ، منها ما في خبر للسدي أنه قال لأبيه عليهما السلام : يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فتراه أمي فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي فيكون أهون للموت علي فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله . وكل منهما يبكي ، ومنها ما في حديث أخرجه أحمد . وجماعة عن ابن عباس أنه قال لأبيه وكان عليه قميص أبيض يا أبت ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فكان ما قص الله عز وجل .

وكان ذلك عند الصخرة التي بمنى ، وعن الحسن في الموضع المشرف على مسجد منى ، وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم ، وقيل كان ببيت المقدس وحكي ذلك عن كعب ، وحكى الإمام مع هذا القول أنه كان بالشام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي : إبراهيم وابنه إسماعيل ، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده ، امتثالا لأمر ربه ، وخوفا من عقابه ، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر ، وهانت عليه في طاعة ربه ، ورضا والده ، { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي : تل إبراهيم إسماعيل على جبينه ، ليضجعه فيذبحه ، وقد انكب لوجهه ، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه .