في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (60)

44

على أن متاع الحياة الدنيا بكامله ، وعرض الحياة الدنيا جميعه ، وما مكنهم الله فيه من الأرض ، وما وهبهم إياه من الثمرات ، وما يتسنى للبشر كلهم طوال هذه الحياة ، إن هو إلا شيء ضئيل زهيد ، إذا قيس بما عند الله :

( وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها . وما عند الله خير وأبقى . أفلا تعقلون ? ) .

وهذا هو التقويم الأخير لا لما يخشون فوته من الأمن والأرض والمتاع وحده ؛ ولا لما يمن به الله عليهم من التمكين والثمار والأمان وحده ؛ ولا لما وهبه الله للقرى ثم أهلكها بالتبطر فيه وحده . إنما هو التقويم الأخير لكل ما في هذه الحياة الدنيا حتى لو ساغ وحتى لو كمل ، وحتى لو دام ، فلم يعقبه الهلاك والدمار . إنه كله( متاع الحياة الدنيا وزينتها ) . . ( وما عند الله خير وأبقى )خير في طبيعته وأبقى في مدته .

( أفلا تعقلون ? ) . .

والمفاضلة بين هذا وذاك تحتاج إلى عقل يدرك طبيعة هذا وذاك . ومن ثم يجيء التعقيب في هذه الصيغة للتنبيه لإعمال العقل في الاختيار !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (60)

لما ذكرهم الله بنعمه عليهم تذكيراً أدمج في خلال الرد على قولهم { إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } [ القصص : 57 ] بقوله { تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا } [ القصص : 57 ] أعقبه بأن كل ما أوتوه من نعمة هو من متاع الحياة الدنيا كالأمن والرزق ، ومن زينتها كاللباس والأنعام والمال ، وأما ما عند الله من نعيم الآخرة من ذلك وأبقى لئلا يحسبوا أن ما هم فيه من الأمن والرزق هو الغاية المطلوبة فلا يتطلبوا ما به تحصيل النعيم العظيم الأبدي ، وتحصيله بالإيمان . ولا يجعلوا ذلك موازناً لاتباع الهدى وإن كان في اتباع الهدى تفويت ما هم فيه من أرضهم وخيراتها لو سلم ذلك . هذا وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها .

و { من شيء } بيان ل { ما أوتيتم } والمراد من أشياء المنافع كما دل عليه المقام لأن الإيتاء شائع في إعطاء ما ينفع .

وقد التفت الكلام من الغيبة من قوله { أوَ لم نُمكن لهم حرماً } [ القصص : 57 ] إلى الخطاب في قوله { أوتيتم } لأن ما تقدم من الكلام أوجب توجيه التوبيخ مواجهة اليهم .

والمتاع : ما ينتفع به زمناً ثم يزول .

والزينة : ما يحسن الأجسام .

والمراد بكون ما عند الله خيراً ، أن أجناس الآخرة خير مما أوتوه في كمال أجناسها ، وأما كونه أبقى فهو بمعنى الخلود .

وتفرع على هذا الخبر استفهام توبيخي وتقريري على عدم عقل المخاطبين لأنهم لما لم يستدلوا بعقولهم على طريق الخير نزّلوا منزلة من أفسد عقله فسئلوا : أهم كذلك ؟ .

وقرأ الجمهور { تعقلون } بتاء الخطاب . وقرأ أبو عمرو ويعقوب { يعقلون } بياء الغيبة على الالتفات عن خطابهم لتعجب المؤمنين من حالهم ، وقيل : لأنهم لما كانوا لا يعقلون نزلوا منزلة الغائب لبعدهم عن مقام الخطاب .