السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (60)

{ وما أوتيتم من شيء } أي : من أسباب الدنيا { فمتاع } أي : فهو متاع { الحياة الدنيا } تتمتعون بها أيام حياتكم وليس يعود نفعه إلى غيرها فهو آيل إلى فساد وإن طال زمن التمتع به { وزينتها } أي : فهو زينة الحياة الدنيا التي هي كلها فضلاً عن زينتها إلى فناء فليست هي ولا شيء بأزلي ولا أبدي { وما عند الله } أي : الملك الأعلى وهو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت { خير } على تقدير مشاركة ما في الدنيا له فالخيرية في ظنكم لأنّ الذي عنده أطيب وأكثر وأشهى وأزهى { و } هو مع ذلك كله { أبقى } لأنه وإن شارك متاع الدنيا في أنه لم يكن أزلياً فهو أبدي وهذا جواب عن شبههم فإنهم قالوا تركنا الدين لئلا تفوتنا الدنيا فبين تعالى أنّ ذلك خطأ عظيم لأنّ ما عند الله خير وأبقى من وجهين : الأوّل : أنّ المنافع هناك أعظم ، والثاني : أنها خالصة عن الشوائب ومنافع الدنيا مشوبة بالمضار بل المضار فيها أكثر ، وأما أنها أبقى فلأنها دائمة غير منقطعة ومن قابل المتناهي بغير المتناهي كان عدماً فظهر بهذا أنّ منافع الدنيا لا نسبة لها إلى منافع الآخرة فلا جرم نبه على ذلك بقوله تعالى : { أفلا يعقلون } أنّ الباقي خير من الفاني فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير فمن لم يرجِّح منافع الآخرة على منافع الدنيا فإنه يكون خارجاً عن حدّ العقل ، قال ابن عادل ورحم الله الشافعيّ حيث قال : من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله تعالى لأنّ أعقل الناس من أعطى القليل وأخذ الكثير وما هم إلا المشتغلون بالطاعة ، فكأنه رحمه الله تعالى إنما أخذه من هذه الآية انتهى ، وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة لاشتماله على الالتفات للإعراض به عن خطابهم ، والباقون بالتاء على الخطاب جرياً على ما تقدّم .