في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ} (45)

45

( ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ، فإذا هم فريقان يختصمون ) . .

يلخص رسالة صالح - عليه السلام - في حقيقة واحدة : ( أن اعبدوا الله )فهذه هي القاعدة التي ترتكز عليها رسالة السماء إلى الأرض في كل جيل ، ومع كل رسول . ومع أن كل ما حول البشر في هذا الكون ، وكل ما يكمن فيهم أنفسهم ، يهتف بهم إلى الإيمان بهذه الحقيقة الواحدة ، فقد أمضت البشرية أجيالا وأزمانا لا يعلمها إلا الله ، وهي تقف أمام هذه الحقيقة البسيطة وقفة الإنكار والجحود ، أو وقفة الهزء والتكذيب . وما تزال إلى اليوم تروغ عن هذه الحقيقة الخالدة ، وتجنح إلى شتى السبل ، التي تتفرق بها عن سبيل الله الواحد المستقيم .

فأما قوم صالح - ثمود - فيحكي القرآن خلاصة موقفهم بعد دعوته إياهم ، وجهده معهم بأنهم أصبحوا فريقين يختصمون . فريقا يستجيب له ، وفريقا يخالف عنه . وكان الفريق المعارض هو الكثرة ، كما نعرف من المواضع الأخرى في القرآن عن هذه القصة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ} (45)

هذه الآية على جهة التمثيل لقريش ، و { أن } من قوله { أن اعبدوا الله } ، يحتمل أن تكون مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب تقديره «بأن اعبدوا الله » ، و { فريقان } يريد بهما من آمن بصالح ومن كفر به ، و «اختصاصهم » تنازعهم وجدلهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ} (45)

هذا مثل ثالث ضربه الله لحال المشركين مع المؤمنين وجعله تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن له أسوة بالرسل والأنبياء من قبله .

والانتقال من ذكر ملك سليمان وقصّة ملكة سبأ إلى ذكر ثمود ورسولهم دون ذكر عاد لمناسبة جِوار البلاد ، لأن ديار ثمود كانت على تخوم مملكة سليمان وكانت في طريق السائر من سَبأ إلى فلسطين .

ألا ترى أنه أعقب ذكر ثمود بذكر قوم لوط وهم أدنى إلى بلاد فلسطين ، فكان سياق هذه القصص مناسباً لسياق السائر من بلاد اليمن إلى فلسطين . ولما كان ما حلّ بالقوم أهمَّ ذِكراً في هذا المقام قدم المجرور على المفعول لأن المجرور هو محل العبرة ، وأما المفعول فهو محلّ التسلية ، والتسلية غرض تَبَعيّ .

ولام القسم لتأكيد الإرسال باعتبار ما اتصل به من بقية الخبر ؛ فإما أن يكون التأكيد لمجرد الاهتمام ، وإما أن يبنى على تنزيل المخاطبين منزلة من يتردد فيما تضمنه الخبر من تكذيب قومه إياه واستخفافهم بوعيد ربّهم على لسانه . وحلول العذاب بهم لأجل ذلك لأن حالهم في عدم العظة بما جرى للمماثلين في حالهم جعلهم كمن ينكر ذلك .

و { أن أعبُدوا الله } تفسير لما دل عليه { أرسلنا } من معنى القول . وفرع على { أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً } إلخ { إذا هم فريقان يختصمون } . فالمعنى : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً لإنقاذهم من الشرك ففاجأ من حالهم أن أعرض فريق عن الإيمان وآمن فريق .

والإتيان بحرف المفاجأة كناية عن كون انقسامهم غير مرضي فكأنّه غير مترقب ، ولذلك لم يقع التعرض لإنكار كون أكثرهم كافرين إشارة إلى أن مجرد بقاء الكفر فيهم كاف في قبْح فعلهم . وحالهم هذا مساوٍ لحال قريش تجاه الرسالة المحمدية . وأعيد ضمير { يختصمون } على المثنى وهو { فريقان } باعتبار اشتمال الفريقين على عدد كثير . كقوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات : 9 ] ولم يقل : اقتتلتا .

والفريقان هما : فريق الذين استكبروا ، وفريق الذين استضعفوا وفيهم صالح . والفاء للتعقيب وهو تعقيب بحسب ما يقتضيه العرف بعد سماع الدعوة . والاختصام واقع مع صالح ابتداء ، ومع أتباعه تبعاً .