فكأنه قال في الآية : وأنى لهم طلب مرادهم وقد بعد ، قال مجاهد المعنى من الآخرة إلى الدنيا ، وقرأ جمهور الناس «ويَقذِفون » بفتح الياء وكسر الذال على إسناد الفعل إليهم ، أي يرجمون بظنونهم ويرمون بها الرسل وكتاب الله ، وذلك غيب عنهم في قولهم سحر وافتراء وغير ذلك ، قاله مجاهد ، وقال قتادة قذفهم بالغيب هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار ، وقرأ مجاهد «ويُقذَفون » بضم الياء وفتح الذال على معنى ويرجمهم الوحي بما يكرهون من السماء .
وجملة { وقد كفروا به من قبل } في موضع الحال ، أي كيف يقولون آمنّا به في وقت الفوات والحال أنهم كفروا به من قبلُ في وقت التمكن فهو كقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } [ القلم : 43 ] .
{ ويقذفون } عطف على { كفروا } فهي حال ثانية . والتقدير : وكانوا يقذفون بالغيب . واختيار صيغة المضارع لحكاية الحالة كقوله تعالى : { ويصنع الفلك } [ هود : 38 ] .
والقذف : الرمي باليد من بعد . وهو هنا مستعار للقول بدون تروِّ ولا دليل ، أي يتكلمون فيما غاب عن القياس من أمور الآخرة بما لا علم لهم به إذ أحالوا البعث والجزاء وقالوا لشركائهم : هم شفعاؤنا عند الله .
ولك أن تجعل { ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } تمثيلاً مثل ما في قوله { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } ، شبهوا بحال من يقذف شيئاً وهو غائب عنه لا يراه فهو لا يصيبه البتة .
وحُذف مفعول { يقذفون } لدلالة فعل { وقد كفروا به من قبل } عليه ، أي يقذفون أشياء من الكفر يرمون بها جزافاً .
والغيب : المغيَّب . والباء للملابسة ، والمجرور بها في موضع الحال من ضمير { يقذفون } ، أي يقذفون وهم غائبون عن المقذوف من مكان بعيد .
و { مكان بعيد } هنا مستعمل في حقيقته يعني من الدنيا ، وهي مكان بعيد عن الآخرة للاستغناء عن استعارته لِما لا يشاهد منه بقوله : { بالغيب } كما علمت فتعين للحقيقة لأنها الأصل ، وبذلك فليس بين لفظ { بعيد } المذكور هنا والذي في قوله : { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } ما يشبه الإِيطاء لاختلاف الكلمتين بالمجاز والحقيقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.