في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (79)

59

ويدعهم السياق على هيئتهم . . ( جاثمين ) . . ليرسم لنا مشهد صالح الذي كذبوه وتحدوه :

( فتولى عنهم ، وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، ولكن لا تحبون الناصحين )

إنه الإشهاد على أمانة التبليغ والنصح ؛ والبراءة من المصير الذي جلبوه لأنفسهم بالعتو والتكذيب

وهكذا تطوي صفحة أخرى من صحائف المكذبين . ويحق النذير بعد التذكير على المستهزئين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (79)

وأخبر الله عز وجل بفعل «صالح » في توليه عنهم وقت «عقرهم » الناقة وقولهم { ائتنا بما تعدنا } وذلك قبل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم ، وأما لفظ الآية فيحتمل أن خاطبهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم وذكر حالهم أو غير ذلك كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر ، قال الطبري : وقيل لم تهلك أمة ونبيها معها ، وروي أنه ارتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات ، ولفظة التولي تقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم . وقوله : { لا تحبون الناصحين } عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي ، إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة نفس الذي ينصح ، ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (79)

والفاء في قوله : { فتولى عنهم } عاطفة على جملة : { فعقروا الناقة } [ الأعراف : 77 ] والتّولي الانصراف عن فراق وغضب ، ويطلق مجازاً على عدم الاكتراث بالشّيء ، وهو هنا يحتمل أن يكون حقيقة فيكون المراد به أنّه فارقَ ديار قومه حين علم أنّ العذاب نازل بهم ، فيكون التّعقيب لقوله : { فعقروا الناقة } [ الأعراف : 77 ] لأن ظاهر تعقيب التّوليَ عنهم وخطابه إياهم أن لا يكون بعد أن تأخذهم الرّجفة وأصبحوا جاثمين .

ويحتمل أن يكون مجازاً بقرينة الخطاب أيضاً ، أي فأعرض عن النّظر إلى القرية بعد اصابتها بالصّاعقة ، أو فأعرض عن الحَزن عليهم واشتغل بالمؤمنين كما قال تعالى : { لعلّك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] .

فعلى الوجه الأول يكون قوله : { يا قومِ لقد أبلغتكم } إلخ مستعملاً في التّوبيخ لهم والتّسجيل عليهم ، وعلى الوجه الثّاني يكون مستعملاً في التحَسر أو في التّبرىء منهم ، فيكون النّداء تَحسر فلا يقتضي كونَ أصحاب الاسم المنادَى ممّن يعقل النّداء حينئذ ، مثل ما تنادَى الحسرة في : يا حسرة .

وقوله : { لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم } تفسيره مثل تفسير قوله في قصّة نوح عليه السّلام : { أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم } [ الأعراف : 62 ] واللاّم في ( لقد ) لام القسم ، وتقدّم نظيره عند قوله : { لقد أرسلنا نوحاً } [ الأعراف : 59 ] .

والاستدراك ب ( لكن ) ناشىء عن قوله : { لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحتُ لكم } لأنّه مستعمل في التّبرُّؤ من التقصير في معالجة كفرهم ، سواء كان بحيث هم يسمعونه أم كان قاله في نفسه ، فذلك التّبرُّؤُ يؤذن بدفع توهّم تقصير في الإبلاغ والنّصيحة لإنعدام ظهور فائدة الابلاغ والنّصيحة ، فاستدرك بقوله : { ولكن لا تحبّون النّاصحين } ، أي تكرهون النّاصحين فلا تطيعونهم في نصحهم ، لأنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع ، فأراد بذلك الكناية عن رفضهم النّصيحة .

واستعمال المضارع في قوله : { لا تحبّون } إن كان في حال سماعهم قولَه فهو للدّلالة على التّجديد والتّكرير ، أي لم يزل هذا دأبَكم فيكون ذلك آخر علاج لإقلاعهم إن كانت فيهم بقيّه للإقلاع عمّا هم فيه ، وإن كان بعد انقضاء سماعهم فالمضارع لحكاية الحال الماضية مثلها في قوله تعالى : { والله الذي أرسل الرّياح فتثير سحاباً } [ فاطر : 9 ] .