والآن وقد كشف لهم عما في معتقداتهم وتصوراتهم وتصرفاتهم من وهن وسخف وهزال . وقد بين لهم أنها لا تقوم على علم ولا بينة ولا أساس . وقد ردهم إلى نشأة الحرث والأنعام التي يتصرفون فيها من عند أنفسهم ، أو بوحي شياطينهم وشركائهم ، بينما هؤلاء لم يخلقوها لهم ، إنما الذي خلقها لهم هو الله ، الذي يجب أن تكون له وحده الحاكمية فيما خلق وفيما رزق ، وفيما أعطى من الأموال للعباد . .
الآن يقرر لهم ما حرمه الله عليهم من هذا كله . ما حرمه الله حقاً عن بينة ووحي ، لا عن ظن ووهم . والله هو صاحب الحاكمية الشرعية ، الذي إذا حرم الشيء فهو حرام ، وإذا أحله فهو حلال ؛ بلا تدخل من البشر ولا مشاركة ولا تعقيب في سلطان الحاكمية والتشريع . . وبالمناسبة يذكر ما حرمه الله على اليهود خاصة ، وأحله للمسلمين ، فقد كان عقوبة خاصة لليهود على ظلمهم وبعدهم عن شرع الله !
( قل : لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه ، إلا أن يكون ميتة ، أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير - فإنه رجس - أو فسقاً أهل لغير الله به . فمن اضطر - غير باغ ولا عاد - فإن ربك غفور رحيم . وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما - إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم - ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون . فإن كذبوك فقل : ربكم ذو رحمة واسعة ، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ) . .
" يقول - جل ثناؤه - لنبيه محمد [ ص ] قل ، يا محمد ، لهؤلاء الذين جعلوا الله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ، ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله . والقائلين : هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء - بزعمهم - والمحرمين من أنعام أخر ظهورها ، والتاركين ذكر اسم الله على أخر منها . والمحرمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ، ومُحليه لذكورهم . المحرمين ما رزقهم الله افتراء على الله ؛ وإضافة ما يحرمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرمه عليهم : أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم ، فأنبئونا به ، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له ، فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه ؟ فإنكم كذبة إن ادعيتم ذلك ، ولا يمكنكم دعواه ، لأنكم إذا ادعيتموه علم الناس كذبكم . فإني لا أجد فيما أوحي إلي من كتابه وآي تنزيله شيئاً محرماً على آكل يأكله ، مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها - بزعمكم - إلا أن يكون( ميتة ) ، قد ماتت بغير تذكية ، أو ( دماً مسفوحاً ) ، وهو المنصبّ ، أو إلا أن يكون لحم خنزير ( فإنه رجس ) . . ( أو فسقا ) " يقول : أو إلا أن يكون فسقاً ، يعني بذلك : أو إلا أن يكون مذبوحاً ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر اسم وثنه . فإن ذلك الذبح فسق ، نهى الله عنه وحرمه ، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك لأنه ميتة .
" وهذا إعلام من الله - جل ثناؤه - للمشركين الذين جادلوا نبي الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به ، أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرمه الله ، وأن الذي زعموا أن الله حرمه حلال أحله الله ؛ وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله " . .
وقال في تأويل قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ) :
. . . " أن معناه : فمن اضطر إلى أكل ما حرم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير ، أو ما أهل لغير الله به ، غير باغ في أكله إياه تلذذاً ، لا لضرورة حالة من الجوع ؛ ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله ، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك . . لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه . . فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك . ( فإن الله غفور ) فيما فعل من ذلك ، فساتر عليه ، بتركه عقوبته عليه . ولو شاء عاقبة عليه . ( رحيم ) بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه . ولو شاء حرمه عليه ومنعه منه " .
أما حد الاضطرار الذي يباح فيه الأكل من هذه المحرمات ؛ والمقدار المباح منها فحولهما خلافات فقهية . . فرأي أنه يباح ما يحفظ الحياة فقد عند خوف الهلاك لو امتنع . . ورأي أنه يباح ما يحقق الكفاية والشبع . . ورأي أنه يباح فوق ذلك ما يدخر لأكلات أخرى إذا خيف انقطاع الطعام . . ولا ندخل في تفصيلات الفروع . . فهذا القدر منها يكفي في هذا الموضع .
هذا أمر من الله عز وجل بأن يشرع للناس جميعاً ويبين عن الله ما أوحي إليه ، وهذه الآية نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء ، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، فإن هذه وإن كانت في حكم الميتة فكان في النظر احتمال أن تلحق بالمذكيات لأنها بأسباب وليست حتف الأنف{[5129]} ، فلما بين النص إلحاقها بالميتة كانت زيادة في المحرمات ، ثم نزل النص على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر بوحي غير مُنْجَز ، وبتحريم كل ذي ناب من السباع ، فهذه كلها زيادات في التحريم ولفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور إلى غاية المنع والحظر ، وصالحة بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهية ونحوها ، فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع عليه الكل منهم ولم يضطرب فيه ألفاظ الأحاديث وأمضاه الناس على أذلاله{[5130]} وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع ولحق بالخنزير والميتة ، وهذه صفة تحريم الخمر وما اقترنت به قرينة ألفاظ الحديث واختلفت الأمة فيه مع علمهم بالأحاديث كقوله عليه السلام «كل ذي ناب من السباع حرام »{[5131]} .
وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع{[5132]} ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهية ونحوها ، وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الإنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنها نجس ، وتأول بعضهم ذلك لئلا تفنى حمولة الناس ، وتأول بعضهم التحريم المحض ، وثبت في الأمة الاختلاف في تحريم لحمها فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها .
وروي عن ابن عامر أنه قرأ «فيما أَوحَى إلي » بفتح الهمزة والحاء وقرأ جمهور الناس يطعمه وقرأ أبو جعفر محمد بن علي «يطّعِمه » بتشديد الطاء وكسر العين ، وقرأ محمد بن الحنفية وعائشة وأصحاب عبد الله «طعمه » بفعل ماض ، وقرأ نافع والكسائي وأبو عمرو وعاصم «إلا أن يكون » بالياء على تقدير إلا أن يكون المطعوم ، وقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو أيضاً «إلا أن تكون » بالتاء من فوق «ميتة » على تقدير إلا أن تكون المطعومة ، وقرأ ابن عامر وحده وذكرها مكي عن ابي جعفر «إلا أن تكون » بالتاء «ميتةٌ » بالرفع على أن تجعل «تكون » بمعنى تقع ، ويحتاج على هذه القراءة أن يعطف { أو دماً } على موضع «أن تكون » ، لأنها في موضع نصب بالاستثناء ، والمسفوح الجاري الذي يسيل ، وجعل الله هذا فرقاً بين القليل والكثير ، والمسفوح : السائل من الدم ونحوه ، ومنه قول الشاعر وهو طرفة :
إذا ما عَادهُ مِنّا نِساءٌ . . . سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بعْدِ الرَّنِينِ{[5133]}
وإن شفائي عبرة إن سفحتها . . . وهل عند رسم دارس من معول{[5134]}
فالدم المختلط باللحم ، والدم الخارج من مرق اللحم ، وما شاكل هذا حلال ، والدم غير المسفوح هو هذا وهو معفوّ عنه ، وقيل لأبي مجلز في القدر تعلوها الحمرة من الدم قال : إنما حرم الله المسفوح ، وقالت نحوه عائشة وغيرها وعليه إجماع العلماء .
وقيل : الدم حرام لأنه إذا زايل فقد انسفخ ، و «الرجس » النتن والحرام ، يوصف بذلك الأجرام والمعاني كما قال عليه السلام : «دعوها فإنها منتنة »{[5135]} ؛ الحديث ، فكذلك قيل في الأزلام والخمر رجس ، والرجس أيضاً العذاب لغة بمعنى الرجز ، وقوله { أو فسقاً } يريد ذبائحهم التي يختصون بها أصنامهم ، وقوله تعالى : { فمن اضطر } الآية ، أباح الله فيها مع الضرورة ركوب المحظور دون بغي .
واختلف الناس فيم ذا ؟ فقالت فرقة دون أن يبغي الإنسان في أكله فيأكل فوق ما يقيم رمقه وينتهي إلى حد الشبع وفوقه ، وقالت فرقة : بل دون أن يبغي في أن يكون سفره في قطع طريق أو قتل نفس أو يكون تصرفه في معصية فإن ذلك لا رخصة له ، وأما من لم يكن بهذه الأحوال فاضطر فله أن يشبع ويتزود ، وهذا مشهور قول مالك بن أنس رحمه الله ، وقال بالأول الذي هو الاقتصار على سد الرمق عبد المالك بن حبيب رحمه الله ، وقوله { فإن ربك غفور رحيم } إباحة تعطيها قوة اللفظ{[5136]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه}، يعني على آكل يأكله، {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}، يعني يسيل، {أو لحم خنزير فإنه رجس}، يعني إثما، {أو فسقا}، يعني معصية، {أهل لغير الله به}، يعني ذبح لغير الله، {فمن اضطر} إلى شيء مما حرمت عليه، {غير باغ} ليستحله في دينه، {ولا عاد}، يعني ولا معتديا لم يضطر إليه فأكله، {فإن ربك غفور} لأكله الحرام، {رحيم} به إذا رخص له في الحرام في الاضطرار...
.. قال مالك: لا حرام بين إلا ما ذكر في هذه الآية... يحيى: عن مالك، أن أحسن ما سمع في الرجل، يضطر إلى الميتة: أنه يأكل منها حتى يشبع، ويتزود منها. فإن وجد عنها غنى طرحها...
فاحتملت الآية معنيين: أحدهما: أن لا يَحْرُمَ على طَاعِمٍ أبدا إلا ما استثنى الله...
ويحتمل قول الله: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}: من شيء سئل عنه رسول الله دون غيره...
ويحتمل: مما كنتم تأكلون. وهذا أولى معانيه، استدلالا بالسنة عليه دون غيره... 233- يقول الله عز وجل: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} فأهل التفسير أو ما سمعت من منهم يقول في قول الله عز وجل: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً} يعني: مما كنتم تأكلون، فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث، وتحل أشياء على أنها من الطيبات، فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثني منها، وحرمت عليهم الخبائث عندهم، قال الله عز وجل: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَائِثَ}. (الأم: 2/241. ون أحكام الشافعي: 2/88-89. والإتقان في علوم القرآن: 1/89.)...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله، والقائلين "هَذهِ أنعامٌ وحرْثٌ حِجْرٌ لا يطْعمُها إلاّ مَنْ نشاءُ بِزَعمِهمْ "والمحرّمين من أنعام أُخَر ظهورها، والتاركين ذكر اسم الله على أُخَر منها، والمحرّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ومحلّية لذكورهم، المحرّمين ما رزقهم الله افتراء على الله، وإضافة منهم ما يحرّمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرّمه عليهم: أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم، فأنبئونا به، أم وصّاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرّمتموه؟ فإنكم كذبة إن ادّعيتم ذلك ولا يمكنكم دعواه، لأنكم إذا ادّعيتموه علم الناس كذبكم، فإني لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله شيئا محرّما على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرّمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرّم عليكم منها بزعمكم، إلا أن يكون ميتة قد ماتت بغير تذكية أو دما مسفوحا وهو المنصبّ أو إلا أن يكون لحم خنزير. فإنّه رِجْسٌ، "أو فِسْقا" يقول: أو إلا أن يكون فسقا، يعني بذلك: أو إلا أن يكون مذبوحا ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرّمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لأنه ميتة. وهذا إعلام من الله جلّ ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبيّ الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرّمه الله، وأن الذي زعموا أن الله حرّمه حلال قد أحله الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله...
وأما قوله: "أوْ دَما مَسْفُوحا" فإن معناه: أو دما مسالاً مُهَراقا... وفي اشتراطه جلّ ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه المسفوح منه دون غيره، الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحا فحلال غير نجس... وقد بينا معنى الرجس فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه النجس والنتن، وما يعصى الله به، بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكذلك القول في معنى الفسق، وفي قوله: أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفق لفهمه عن تكراره وإعادته...
"فَمَنِ اضْطُرّ غيرَ باغٍ وعلا عادٍ فإنّ رَبّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: "فَمَنِ اضْطُرّ غيرَ باعٍ وَلا عادٍ". والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأن معناه: فمن اضطّر إلى أكل ما حرّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهلّ لغير الله به، غير باغ في أكله إياه تلذّذا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حدّه الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك. "فإنّ اللّهَ غَفُورٌ" فيما فعل من ذلك، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه، ولو شاء عاقبه عليه. "رَحِيمٌ" بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه، ولوشاء حرمه عليه ومنعه منه.
جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :
وقال أكثر أهل العلم والنظر، من أهل الأثر وغيرهم: إن الآية محكمة غير منسوخة، وكل ما حرمه رسول الله مضموم إليها وهو زيادة من حكم الله على لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم – ولا فرق بين ما حرم الله في كتابه أو حرمه على لسان رسوله، بدليل قول الله عز وجل-: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} 1581، وقوله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}، وقوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}، قال أهل العلم: القرآن والسنة. وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وقوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله}، وقوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، فقرن الله- عز وجل- طاعته بطاعته، وأوعد على مخالفته، وأخبر أنه يهدي إلى صراطه، وبسط القول في هذا موجود في كتب الأصول. وليس في هذه الآية دليل على أن لا حرام على أكل إلا ما ذكر فيها، وإنما فيها أن الله أخبر نبيه- صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يخبر عباده أنه لم يجد في القرآن منصوصا شيئا محرما على الأكل والشارب إلا ما في هذه الآية، وليس ذلك بمانع أن يحرم الله في كتابه بعد ذلك وعلى لسان رسوله أشياء سوى ما في هذه الآية...
وقد أجمعوا أن سورة الأنعام مكية، وقد نزل بعدها قرآن كثير، وسنن عظيمة، وقد نزل تحريم الخمر في المائدة بعد ذلك، وقد حرم الله على لسان نبيه-صلى الله عليه وسلم – أكل كل ذي ناب من السباع، وأكل الحمر الأهلية، وغير ذلك. فكان ذلك زيادة حكم من الله على لسان نبيه- صلى الله عليه وسلم- كنكاح المرأة على عمتها، وعلى خالتها، مع قوله: {وأحل لكم ما دون ذلك}، وكحكمه بالشاهد واليمين، مع قول الله: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}، وما أشبه هذا كثير، تركناه خشية الإطالة، ألا ترى أن الله قال في كتابه: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، وقد حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشياء من البيوع، وإن تراضا بها المتبايعان، كالمزابنة، وبيع ما ليس عندك، وكالتجارة في الخمر، وغير ذلك مما يطول ذكره...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
بيَّن أَنَّ الشارعَ اللهُ، والمانعَ عن الخلْق هو الله، وما كان من غير الله فضائعٌ باطلٌ عند الله.
بيَّن أنه إذا جاء الاضطرارُ زال حكمُ الاختيار...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {فِي مَا أُوحِىَ إِلَىَّ} تنبيه على أنّ التحريم إنما يثبت بوحي الله تعالى وشرعه، لا بهوى الأنفس {مُحَرَّمًا} طعاماً محرّماً من المطاعم التي حرّمتموها {إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً} إلاّ أن يكون الشيء المحرّم ميتة {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} أي: مصبوباً سائلاً كالدم في العروق، لا كالكبد والطحال. وقد رخّص في دم العروق بعد الذبح {أَوْ فِسْقًا} عطف على المنصوب قبله. سمى ما أهلّ به لغير الله فسقاً لتوغله في باب الفسق. ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا أمر من الله عز وجل بأن يشرع للناس جميعاً ويبين عن الله ما أوحي إليه، وهذه الآية نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، فإن هذه وإن كانت في حكم الميتة فكان في النظر احتمال أن تلحق بالمذكيات لأنها بأسباب وليست حتف الأنف، فلما بين النص إلحاقها بالميتة كانت زيادة في المحرمات، ثم نزل النص على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر بوحي غير مُنْجَز، وبتحريم كل ذي ناب من السباع، فهذه كلها زيادات في التحريم...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
تقرر في الآيات السابقة أنه ليس لأحد أن يحرم على أحد شيئا من الطعام وكذا غيره إلا بإذن من الله في وحيه إلى رسله، وأن من فعل ذلك فهو مفتر على الله تعالى معتد على مقام الربوبية إذ لا يحرم على العباد إلا ربهم، وأن من أطاعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله تعالى في ربوبيته. والآيات في هذا المعنى كثيرة وإن من هذا الشرك والافتراء على الله تعالى ما حرمت الجاهلية من الأنعام والحرث كما فصل في الآيات التي قبل هذه وختم الله تعالى هذا السياق ببيان ما حرمه على عباده من الطعام على لسان خاتم رسله وشرع من قبله فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}: أي قل أيها الرسول لهؤلاء المفترين على الله تعالى فيما يضرهم من تحريم ما لم يحرم عليهم ولغيرهم من الناس، لا أجد فيما أوحاه الله تعالى إلي طعاما محرما على آكل يريد أن يأكله، بل الأصل في جميع ما شأنه أن يؤكل أن يكون مباحا لذاته إلا أن يكون ميتة أي بهيمة ماتت حتف أنفها ولو بسبب غير التذكية بقصد الأكل أو دما مسفوحا أي مصبوبا كالدم الذي يجري من المذبوح أو لحم خنزير فإن ذلك كله خبيث تعافه الطباع السليمة وضار بالأبدان الصحيحة أو فسقا أهل لغير الله به وهو ما يتقرب به إلى غيره تعبدا ويذكر اسم ذلك الغير عليه عند ذبحه وجعل بعضهم الوصف بالرجس للحم الخنزير خاصة واستدلوا به على نجاسة عينه حتى قال بعضهم بنجاسة شعره، وما اخترناه من كون الوصف لجميع ما ذكر من الأنواع الثلاثة هو المتبادر وهو أظهر في الميتة والدم المسفوح منه في لحم الخنزير ولا سيما إذا أريد بالرجس الحسي منه فإن طباع أكثر البشر تستقذرهما وتعافهما ولحم الخنزير من أجمل اللحوم منظرا فلا يعافه إلا من يعتقد حرمته وذلك استقذار معنوي لا حسي وإنما يستقذر الخنزير حيا بملازمته للأقذار وأكله منها. والأرجح أن سبب تحريم لحمه ما فيه من الضرر لا كونه من القذر وتقدم بيان ذلك في تفسير آية المائدة...
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي فمن دفعته ضرورة المجاعة وفقد الحلال إلى أكل شيء من هذه المحرمات حال كونه غير باغ أي مريد لذلك قاصد له ولا معتد فيه قدر الضرورة فإن ربك الذي لم يحرم ما ذكر إلا لضرره، غفور رحيم فلا يؤاخذه بأكل ما يسد رمقه ويدفع به الهلاك عن نفسه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف بياني نشأ عن إبطال تحريم ما حرّمه المشركون، إذ يتوجّه سؤال سائل من المسلمين عن المحرّمات الثابتة، إذْ أبطلت المحرّمات الباطلة، فلذلك خوطب الرّسول صلى الله عليه وسلم ببيان المحرّمات في شريعة الإسلام بعد أن خوطب ببيان ما ليس بمحرّم ممّا حرّمه المشركون في قوله: {قل ءآلذّكرين حرم أم الأنثيين} [الأنعام: 144] الآيات. وافتُتح الكلام المأمورُ بأن يقوله بقوله: {لا أجد} إدماجاً للردّ على المشركين في خلال بيان ما حُرّم على المسلمين، وهذا الردّ جار على طريقة كناية الإيماء بأن لم يُنْفَ تحريم ما ادّعوا تحريمه صريحاً، ولكنّه يقول لا أجده فيما أوحي إليّ ويستفاد من ذلك أنَّه ليس تحريمه من الله في شرعه، لأنَّه لا طريق إلى تحريم شيء ممّا يتناوله النّاس إلاّ بإعلام من الله تعالى، لأنّ الله هو الّذي يُحلّ ما شاء ويحرّم ما شاء على وفق علمه وحكمته، وذلك الإعلام لا يكون إلاّ بطريق الوحي أو ما يُستنبط منه، فإذا كان حكم غير موجود في الوحي ولا في فروعه فهو حكم غير حقّ، فاستفيد بطلان تحريم ما زعموه بطريقة الإيماء، وهي طريقة استدلالية لأنّ فيها نفي الشّيء بنفي ملزومه. و {أجد} بمعنى: أظفر، وهو الّذي مصدره الوَجد والوجدانُ، وهو هنا مجاز في حصول الشّيء وبلوغه، يقال: وجَدْت فلاناً ناصراً، أي حصلت عليه، فشبّه التّحصيل للشّيء بالظفَر وإلْفاءِ المطلوب، وهو متعدّ إلى مفعول واحد. والمراد، ب {ما أوحي} ما أعلمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم بوحي غير القرآن لأنّ القرآن النّازل قبل هذه الآية ليس فيه تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير وإنَّما نزل القرآن بتحريم ما ذكر في هذه الآية ثمّ في سورة المائدة. والطاعم: الآكِلُ، يقال: طَعِم كَعَلِم، إذا أكل الطَّعام، ولا يقال ذلك للشَّارب، وأمَّا طَعِم بمعنى ذاق فيستعمل في ذوق المطعومات والمشروبات، وأكثر استعماله في النّفي، وتقدّم بيانه عند قوله تعالى: {ومن لم يطعَمْه فإنَّه منّي} في سورة البقرة (249)، وبذلك تكون الآية قاصرة على بيان محرّم المأكولات. وقوله: {يطعمه} صفة لطاعم وهي صفة مؤكّدة مثل قوله: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38]. والاستثناء من عموم الأكوان الّتي دلّ عليها وقوع النّكرة في سياق النّفي. أي لا أجد كائناً محرّماً إلاّ كونه ميتة إلخ أي: إلاّ الكائن ميتة إلخ، فالاستثناء متّصل. والحصر المستفاد من النّفي والاستثناء حقيقي بحسب وقت نزول هذه الآية. فلم يكن يومئذ من محرّمات الأكل غير هذه المذكورات لأنّ الآية مكّيّة ثمّ نزلت سورة المائدة بالمدينة فزيد في المحرمات كما يأتي قريباً. والمسفوح: المصبوب السائل، وهو ما يخرج من المذبح والمَنْحَر. أو من الفصد في بعض عروق الأعضاء فيسيل. وقد كان العرب يأكلون الدّم الّذي يسيل من أوداج الذّبيحة أو من منحَر المنحورة ويجمعونه في مَصير أو جِلد ويجفّفونه ثمّ يشْوونه، وربّما فصدوا من قوائم الإبل مَفصدا فأخذوا ما يحتاجون من الدّم بدون أن يهلك البعير، وربَّما خلطوا الدّم بالوَبَر ويسمّونه (العِلْهِز)، وذلك في المجاعات. وتقييد الدّم بالمسفوح للتّنبيه على العفو عن الدمّ الّذي ينزّ من عروق اللّحم عند طبخه فإنَّه لا يمكن الاحتراز عنه. وقوله: {فإنه رجس} جملة معترضة بين المعطوفات، والضّمير قيل: عائد إلى لحم الخنزير، والأظهر أن يعود إلى جميع ما قبله، وأنّ افراد الضّمير على تأويله بالمذكور، أي فإنّ المذكور رجس، كما يفرد اسم الإشارة مثل قوله: {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} [الفرقان: 68]. والرّجس: الخبيث والقَذر. وقد مضى بيانه عند قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} في هذه السورة (125). فإن كان الضّمير عائداً إلى لحم الخنزير خاصّة فوصفه برجس تنبيه على ذمّه. وهو ذمّ زائد على التّحريم، فوَصفه به تحذير من تناوله. وتأنيس للمسلمين بتحريمه، لأنّ معظم العرب كانوا يأكلون لحم الخنزير بخلاف الميتة والدّم فما يأكلونها إلاّ في الخصاصة... وإن كان الضّمير عائداً إلى الثلاثة بتأويل المذكور كان قوله: {فإنه رجس} تنبيهاً على علّة التّحريم وأنَّها لدفع مفسدة تحصل من أكل هذه الأشياء، وهي مفسدة بدنيّة... والفسق: الخروج عن شَيْء. وهو حقيقة شرعية في الخروج عن الإيمان، أو عن الطّاعة الشّرعية، فلذلك يوصف به الفعل الحرام باعتبار كونه سبباً لفسق صاحبه عن الطّاعة. وقد سمّى القرآن ما أهلّ به لغير الله فسقاً في الآية السالفة وفي هذه الآية، فصار وصفاً مشهوراً لِمّا أهلّ به لغير الله، ولذلك أتبعه بقوله: {أهل لغير الله به} فتكون جملة: {أهل لغير الله به} صفة أو بياناً ل {فسقاً}، وفي هذا تنبيه على أنّ تحريم ما أهلّ لغير الله به ليس لأنّ لحمه مضرّ بل لأنّ ذلك كفر بالله. وقد دلّت الآية على انحصار المحرّمات من الحيوان في هذه الأربعة، وذلك الانحصار بحسب ما كان مُحرّماً يوم نزول هذه الآية، فإنَّه لم يحرّم بمكّة غيرها من لحم الحيوان الّذي يأكلونه، وهذه السّورة مكّيّة كلّها على الصّحيح، ثمّ حرّم بالمدينة أشياء أخرى، وهي: المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وأكيلة السّبع بآية سورة العقود (3). وحُرّم لحم الحُمر الإنسيّة بأمر النّبيء صلى الله عليه وسلم على اختلاف بين العلماء في أنّ تحريمه لذاته كالخنزير، أو لكونها يومئذ حَمولة جيش خيبر، وفي أنّ تحريمه عند القائلين بأنّه لذاته مستمرّ أو منسوخ، والمسألة ليست من غرض التّفسير فلا حاجه بنا إلى ما تكلّفوه من تأويل حصر هذه الآية المحرّمات في الأربعة. وكذلك مسألة تحريم لحم كلّ ذي ناب من السّباع ولحم سباع الطّير وقد بسطها القرطبي وتقدّم معنى: {أهِلّ لغير الله به} في تفسير سورة المائدة (3)... وقوله: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} تقدّم القول في نظيره في سورة البقرة (173) في قوله: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه.} وإنَّما جاء المسند إليه في جملة الجزاء وهو {ربك} معرّفاً بالإضافة دون العلميّة كما في آية سورة البقرة (192): {فإنّ الله غفور رحيم} لما يؤذن به لفظ الربّ من الرأفة واللّطف بالمربوب والولاية، تنبيها على أنّ الله جعل هذه الرّخصة للمسلمين الّذين عبدوه ولم يشركوا به، وأنَّه أعرض عن المشركين الّذين أشركوا معه غيره لأنّ الإضافة تشعر بالاختصاص، لأنَّها على تقدير لام الاختصاص، فلمّا عبر عن الغفور تعالى بأنَّه ربّ النّبيء عليه الصّلاة والسّلام علم أنَّه ربّ الَّذين اتَّبعوه، وأنَّه ليس ربّ المشركين باعتبار ما في معنى الربّ من الولاية، فهو في معنى قوله تعالى: {ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم}} [محمد: 11] أي لا مولى يعاملهم بآثار الولاية وشعارها، ذلك لأنّ هذه الآية وقعت في سياق حجاج المشركين بخلاف آية البقرة (172) فإنَّها مفتتحة بقوله: {يأيّها الذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم.} والإخبار بأنَّه غفور رحيم، مع كون ذلك معلوماً من مواضع كثيرة، هو هنا كناية عن الإذن في تناول تلك المحرّمات عند الاضطرار ورفع حرج التّحريم عنها حينئذ فهو في معنى قوله في سورة البقرة (182): {فلا إثم عليه إنّ الله غفور رحيم.}...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
ويبقى الانحراف في مسألة التحريم يحكم الموقف في آيات الله، لأنه من القضايا التي تتصل بالمبدأ، فالمسألة هي مسألة الافتراء على الله في مجال التشريع، أن تقول لشيءٍ لم يحرّمه الله إنه حرام، مستغلاً في ذلك جهل الناس وسذاجتهم، وغموض قواعد التحريم والتحليل في بعض المجالات، وتلك هي قصة الكثيرين الذين يجعلون من أنفسهم مشرِّعين باسم الله في ما يلبّسون به على الناس من أمر دينهم، ويريد القرآن في هذا التدرج والتنوع في أسلوب معالجة القضية أن يوحي بأنها مسألة مهمّة جداً، وبأن علينا أن نتبع كل الوسائل في سبيل كشف الزيف الذي يقوم به أمثال هؤلاء، بإثارة علامات الاستفهام التي تحرجهم، وبالتنديد بهم، وبمواجهتهم بالحجة القاطعة في نهاية المطاف من أجل إبعاد الساحة عن شياطين الكذب والافتراء، ليبقى الإسلام بعيداً عن الكذب والتشويه والتمويه...