في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (3)

وفي الوقت الذي وجه الله - سبحانه - هذا التكليف إلى رسوله ، وجه إلى قومه المخاطبين بهذا القرآن أول مرة - وإلى كل قوم يواجههم الإسلام ليخرجهم من الجاهلية - الأمر باتباع ما أنزل في هذا الكتاب ، والنهي عن اتباع الأولياء من دون الله . ذلك أن القضية في صميمها هي قضية " الاتباع " . . من يتبع البشر في حياتهم ؟ يتبعون أمر الله فهم مسلمون . أم يتبعون أمر غيره فهم مشركون ؟ إنهما موقفان مختلفان لا يجتمعان :

( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ، ولا تتبعوا من دونه أولياء . قليلا ما تذكرون ) .

هذه هي قضية هذا الدين الأساسية . . إنه إما اتباع لما أنزل الله فهو الإسلام لله ، والاعتراف له بالربوبية ، وإفراده بالحاكمية التي تأمر فتطاع ، ويتبع أمرها ونهيها دون سواه . . وإما اتباع للأولياء من دونه فهو الشرك ، وهو رفض الاعتراف لله بالربوبية الخالصة . . وكيف والحاكمية ليست خالصة له سبحانه ؟ !

وفي الخطاب للرسول [ ص ] كان الكتاب منزلاً إليه بشخصه : ( كتاب أنزل إليك ) . . وفي الخطاب للبشر كان الكتاب كذلك منزلاً إليهم من ربهم : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) . . فأما الرسول [ ص ] فالكتاب منزل إليه ليؤمن به ولينذر ويذكر . وأما البشر فالكتاب منزل إليهم من ربهم ليؤمنوا به ويتبعوه ، ولا يتبعوا أمر أحد غيره . . والإسناد في كلتا الحالتين للاختصاص والتكريم والتحضيض والاستجاشة . فالذي ينزل له ربه كتاباً ، ويختاره لهذا الأمر ، ويتفضل عليه بهذا الخير ، جدير بأن يتذكر وأن يشكر ؛ وأن يأخذ الأمر بقوة ولا يستحسر . .

/خ25

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (3)

وقوله تعالى : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } الآية ، قال الطبري وحكاه : التقدير قل اتبعوا فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدم الذكر عليه ، وقالت فرقة : قوله :[ اتبعوا ]أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته .

قال القاضي أبو محمد : والظاهر أن يكون أمراً لجميع الناس أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن ، وقرأ الجحدري «ابتغوا ما أنزل » ، من الابتغاء ، وقرأ مجاهد «ولا تبتغوا » من الابتغاء أيضاً ، وقوله { أولياء } يريد كل ما عبد واتبع من دون الله كالأصنام والأحبار والكهان والنار والكواكب وغير ذلك ، والضمير في قوله { من دونه } راجع على { ربكم } ، هذا أظهر وجوهه وأبينها ، وقيل يعود على قوله { اتبعوا ما } ، وقيل يعود على الكتاب المتقدم الذكر ، و { قليلاً } نعت لمصدر نصب بفعل مضمر ، وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده ، قال الفارسي و { ما } في قوله { ما تذكرون } موصولة بالفعل وهي مصدرية ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «تذّكّرون » بتشديد الذال والكاف ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «تَذّكرون » بتخفيف الذال وتشديد الكاف ، وقرأ ابن عامر «يتذكرون » بالياء كناية عن غيب ، وروي عنه إنه قرأ «تتذكرون » بتاءين على مخاطبة حاضرين .