في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

( قال : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؟ قال : أنا خير منه ، خلقتني من نار ، وخلقته من طين )

لقد جعل إبليس له رأيا مع النص . وجعل لنفسه حقا في أن يحكم نفسه وفق ما يرى هو من سبب وعلة مع وجود الأمر . . وحين يوجد النص القاطع والأمر الجازم ينقطع النظر ، ويبطل التفكر ؛ وتتعين الطاعة ، ويتحتم التنفيذ . . وهذا إبليس - لعنه الله - لم يكن ينقصه أن يعلم أن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر الذي لا يقع في هذا الوجود شيء إلا بإذنه وقدره . . ولكنه لم يطع الأمر كما صدر إليه ولم ينفذه . . بمنطق من عند نفسه :

( قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) . .

/خ25

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

{ ما } استفهام والمقصود به التوبيخ والتقريع ، و { لا } في قوله «أن لا » قيل هي زائدة ، والمعنى ما منعك أن تسجد وهي ك «لا » في قول الشاعر : [ الطويل ]

أبى جودُه لا البخلَ واسْعْجَلَتْ به*** نَعَمْ من فتى لا يمنعُ الجود قاتله

وهذا على أحد الأقوال في هذا البيت فقيل «لا » فيه زائدة . وقال الزجّاج : مفعولة والبخل بدل منها ، وحكى الطبري عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن الرواية فيه لا البخل بخفض اللام لأن «لا » قد تتضمن جوداً إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات . ومن الأبيات التي جاءت لا فيها زائدة قول الشاعر : [ الكامل ]

أفَِمنْكِ لا بَرْق كأنّ وميضه*** غاب تسنمه ضرام مثقبُ

وقيل في الآية ليست لا زائدة ، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد ، وقيل : لما كان { ما منعك } بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها { ألا تسجد } .

قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه ، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك ، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه ، فكأنه قال : منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين . وروي عن ابن عباس أنه قال : لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً ، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق ، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق في النار من الطيش والخفة والاضطراب ، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبيت .

قال القاضي أبو محمد : وفي كلام الطبري نظر ، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس .

قال القاضي أبو محمد : قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس ، وإنما خرج كلامهما نهياً عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجادة .