( قال : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؟ قال : أنا خير منه ، خلقتني من نار ، وخلقته من طين )
لقد جعل إبليس له رأيا مع النص . وجعل لنفسه حقا في أن يحكم نفسه وفق ما يرى هو من سبب وعلة مع وجود الأمر . . وحين يوجد النص القاطع والأمر الجازم ينقطع النظر ، ويبطل التفكر ؛ وتتعين الطاعة ، ويتحتم التنفيذ . . وهذا إبليس - لعنه الله - لم يكن ينقصه أن يعلم أن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر الذي لا يقع في هذا الوجود شيء إلا بإذنه وقدره . . ولكنه لم يطع الأمر كما صدر إليه ولم ينفذه . . بمنطق من عند نفسه :
{ ما } استفهام والمقصود به التوبيخ والتقريع ، و { لا } في قوله «أن لا » قيل هي زائدة ، والمعنى ما منعك أن تسجد وهي ك «لا » في قول الشاعر : [ الطويل ]
أبى جودُه لا البخلَ واسْعْجَلَتْ به*** نَعَمْ من فتى لا يمنعُ الجود قاتله
وهذا على أحد الأقوال في هذا البيت فقيل «لا » فيه زائدة . وقال الزجّاج : مفعولة والبخل بدل منها ، وحكى الطبري عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن الرواية فيه لا البخل بخفض اللام لأن «لا » قد تتضمن جوداً إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات . ومن الأبيات التي جاءت لا فيها زائدة قول الشاعر : [ الكامل ]
أفَِمنْكِ لا بَرْق كأنّ وميضه*** غاب تسنمه ضرام مثقبُ
وقيل في الآية ليست لا زائدة ، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد ، وقيل : لما كان { ما منعك } بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها { ألا تسجد } .
قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه ، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك ، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه ، فكأنه قال : منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين . وروي عن ابن عباس أنه قال : لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً ، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق ، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق في النار من الطيش والخفة والاضطراب ، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبيت .
قال القاضي أبو محمد : وفي كلام الطبري نظر ، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس .
قال القاضي أبو محمد : قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس ، وإنما خرج كلامهما نهياً عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.