قوله تعالى : { إنا أخلصناهم } اصطفيناهم ، { بخالصة ذكرى الدار } قرأ أهل المدينة : { بخالصة } مضافاً ، وقرأ الآخرون بالتنوين ، فمن أضاف فمعناه : أخلصناهم بذكرى الدار الآخرة ، وأن يعملوا لها ، والذكرى : بمعنى الذكر . قال مالك بن دينار : نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها ، وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها . وقال قتادة : كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عز وجل . وقال السدي : أخلصوا بخوف الآخرة . وقيل : معناه أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة . قال ابن زيد : ومن قرأ بالتنوين فمعناه : بخلة خالصة ، وهي ذكرى الدار ، فيكون ذكرى بدلاً عن الخالصة . وقيل : أخلصناهم : جعلناهم مخلصين ، بما أخبرنا عنهم من ذكر الآخرة .
قوله تعالى : " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " قراءة العامة " بخالصة " منونة وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر " بخالصة ذكرى الدار " بالإضافة فمن نون خالصة ف " ذكرى الدار " بدل منها . التقدير إنا أخلصناهم بأن يذكروا الدار الآخرة ويتأهبوا لها ويرغبوا فيها ويرغبوا الناس فيها . ويجوز أن يكون " خالصة " مصدرا لخلص و " ذكرى " في موضع رفع بأنها فاعلة ، والمعنى أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، أي تذكير الدار الآخرة . ويجوز أن يكون " خالصة " مصدرا لأخلصت فحذفت الزيادة ، فيكون " ذكرى " على هذا في موضع نصب ، التقدير : بأن أخلصوا ذكرى الدار . والدار يجوز أن يراد بها الدنيا ، أي ليتذكروا الدنيا ويزهدوا فيها ، ولتخلص لهم بالثناء الحسن عليهم ، كما قال تعالى : " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " [ مريم : 50 ] ويجوز أن يراد بها الدار الآخرة وتذكير الخلق بها . ومن أضاف خالصة إلى الدار فهي مصدر بمعنى الإخلاص ، والذكرى مفعول به أضيف إليه المصدر ، أي بإخلاصهم ذكرى الدار . ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى الفاعل والخالصة مصدر بمعنى الخلوص ، أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، وهي الدار الآخرة أو الدنيا على ما تقدم . وقال ابن زيد : معنى أخلصناهم أي بذكر الآخرة ، أي يذكرون الآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا . وقال مجاهد : المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم .
ولما اشتد تشوف السامع لما استحقوا به هذا الذكر ، قال مؤكداً إشارة إلى محبته سبحانه لمدحهم ورداً على من ينسب إليهم أو إلى أحد منهم ما لا يليق كما كذبه اليهود فيما بدلوه من التوراة في حق إسحاق عليه السلام في بعض المواضع معدياً للفعل بالهمزة إشارة إلى أنه جذبهم من العوائق إليه جذبة واحدة هي في غاية السرعة : { إنا أخلصناهم } أي لنا إخلاصاً يليق بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة { بخالصة } أي أعمال وأحوال ومقامات وبلايا ومحن هي سالمة عن شوب ما ، فصاروا بالصبر عليها في غاية الخلوص .
ولما كان سبب الإخلاص تذكر يوم الدين وما يبرز فيه من صفات الجلال والجمال وينكشف فيه من الأمور التي لا توصف عظمتها ، بينها بقوله : { ذكرى الدار } أي تذكرهم تلك الخالصة تذكيراً عظيماً لا يغيب عنهم أصلاً الدار التي لا يستحق غيرها أن يسمى داراً بوجه بحيث نسوا بذكر هذا الغائب ذكر ما يشاهدونه من دار الدنيا فهم لا ينظرون إليه أصلاً بغضاً فيها ، فقد أنساهم هذا الغائب الثابت الشاهد الزائل عكس ما عليه العامة ، وإضافة نافع وأبي جعفر وهشام عن ابن عامر بخلاف عنه لخالصة مؤيد لما قلت من أن ذكرى بيان لأنها إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى أنهم لا يعملون شيئاً إلا وهو مقرب للآخرة ، فالمعنى أن ذكرهم لها خالص عن سواه لا يشاركه فيه شيء ولا يشوبه شوب أصلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.