في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

30

ذلك كله حين يحين الموعد الذي يستعجلون . . فأما لو تركوا في الأرض ، وعمروا طويلاً وأمهلهم الوعد المرسوم بعض حين ؛ فإنهم صائرون إلى شر يحمدون معه التعجيل . . إنهم صائرون إلى شيخوخة وهرم ، ثم إلى خرف ونكسة في الشعور والتفكير :

( ومن نعمره ننكسه في الخلق . أفلا يعقلون ) . .

والشيخوخة نكسة إلى الطفولة . بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة ! وما يزال الشيخ يتراجع ، وينسى ما علم ، وتضعف أعصابه ، ويضعف فكره ، ويضعف احتماله ، حتى يرتد طفلاً . ولكن الطفل محبوب اللثغة ، تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة . والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة ، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز . وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون !

فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين ، الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم . .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

قوله تعالى : { ومن نعمره ننكسه في الخلق } قرأ عاصم ، و حمزة بالتشديد ، وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففاً ، أي : نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق . وقيل : ( ( ننكسه في الخلق ) ) أي : نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيادتها . { أفلا يعقلون } فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

قوله تعالى : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " قرأ عاصم وحمزة " ننكسه " بضم النون الأولى وتشديد الكاف من التنكيس . الباقون " نَنْكُسه " بفتح النون الأولى وضم الكاف من نكست الشيء أنكسه نكسا قلبته على رأسه فانتكس . قال قتادة : المعنى أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا . وقال سفيان في قوله تعالى : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " إذا بلغ ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته . قال الشاعر :

من عاش أخلقتِ الأيام جِدَّتَهُ *** وخانَه ثِقَتَاهُ السمع والبصرُ

فطول العمر يصير الشباب هرما ، والقوة ضعفا ، والزيادة نقصا ، وهذا هو الغالب . وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر . وقد مضى في " النحل " {[13232]} بيانه . " أفلا يعقلون " أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم . وقرأ نافع وابن ذكوان : " تعقلون " بالتاء . الباقون بالياء " .


[13232]:راجع ج 10 ص 140 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.