في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ} (38)

تلك الشعائر والعبادات لا بد لها من حماية تدفع عنها الذين يصدون عن سبيل الله وتمنعهم من الاعتداء على حرية العقيدة وحرية العبادة ، وعلى قداسة المعابد وحرمة الشعائر ، وتمكن المؤمنين العابدين العاملين من تحقيق منهاج الحياة القائم على العقيدة ، المتصل بالله ، الكفيل بتحقيق الخير للبشرية في الدنيا والآخرة .

ومن ثم أذن الله للمسلمين بعد الهجرة في قتال المشركين ليدفعوا عن أنفسهم وعن عقيدتهم اعتداء المعتدين ، بعد أن بلغ أقصاه ، وليحققوا لأنفسهم ولغيرهم حرية العقيدة وحرية العبادة في ظل دين الله ، ووعدهم النصر والتمكين ، على شرط أن ينهضوا بتكاليف عقيدتهم التي بينها لهم فيما يلي من الآيات :

( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، إن الله لا يحب كل خوان كفور ، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا . وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا . ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر . ولله عاقبة الأمور ) . .

إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض ، والمعركة مستمرة بين الخير والشر والهدى والضلال ؛ والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان منذ أن خلق الله الإنسان .

والشر جامح والباطل مسلح . وهو يبطش غير متحرج ، ويضرب غير متورع ؛ ويملك أن يفتن الناس عن الخير إن اهتدوا إليه ، وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له . فلا بد للإيمان والخير والحق من قوة تحميها من البطش ، وتقيها من الفتنة وتحرسها من الأشواك والسموم .

ولم يشأ الله أن يترك الإيمان والخير والحق عزلا تكافح قوى الطغيان والشر والباطل ، اعتمادا على قوة الإيمان في النفوس وتغلغل الحق في الفطر ، وعمق الخير في القلوب . فالقوة المادية التي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب وتفتن النفوس وتزيغ الفطر . وللصبر حد وللاحتمال أمد ، وللطاقة البشرية مدى تنتهي إليه . والله أعلم بقلوب الناس ونفوسهم . ومن ثم لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة ، إلا ريثما يستعدون للمقاومة ، ويتهيأون للدفاع ، ويتمكنون من وسائل الجهاد . . وعندئذ أذن لهم في القتال لرد العدوان .

وقبل أن يأذن لهم بالانطلاق إلى المعركة آذنهم أنه هو سيتولى الدفاع عنهم فهم في حمايته : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) . .

وأنه يكره أعداءهم لكفرهم وخيانتهم فهم مخذولون حتما : ( إن الله لا يحب كل خوان كفور ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ} (38)

{ إن الله يدفع عن الذين آمنوا } غائلة المشركين ، وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون " يدافع " أي يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه . { إن الله لا يحب كل خوان } في أمانة الله . { كفور } لنعمته كمن يتقرب إلى الأصنام بذبيحته فلا يرتضي علهم ولا ينصرهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ} (38)

استئناف بياني جواباً لسؤال يخطر في نفوس المؤمنين ينشأ من قوله تعالى : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله } الآية ، فإنه توعّد المشركين على صدّهم عن سبيل الله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم ، وبشّر المؤمنين المخبِتين والمحسنين بما يتبادر منه ضد وعيد المشركين وذلك ثواب الآخرة . وطال الكلام في ذلك بما تبعه لا جرم تشوفت نفوس المؤمنين إلى معرفة عاقبة أمرهم في الدنيا ، وهل يُنتصر لهم من أعدائهم أو يدّخر لهم الخير كله إلى الدار الآخرة . فكان المقام خليقاً بأن يُطَمئنَ الله نفوسهم بأنه كما أعد لهم نعيم الآخرة هو أيضاً مدافع عنهم في الدنيا وناصرهم ، وحُذف مفعول { يدافع } لدلالة المقام .

فالكلام موجه إلى المؤمنين ، ولذلك فافتتاحه بحرف التوكيد إما لمجرد تحقيق الخبر ، وإما لتنزيل غير المتردد منزلة المتردّد لشدة انتظارهم النصر واستبطائهم إياه .

والتعبير بالموصول لما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وأن دفاع الله عنهم لأجل إيمانهم .

وقرأ الجمهور لفظ { يدافع } بألف بعد الدال فيفيد قوّة الدفع . وقرأه أبو عمرو ، وابن كثير ، ويعقوب { يدفع } بدون ألف بعد الدال .

وجملة { إن الله لا يحب كل خوان كفور } تعليل لتقييد الدفاع بكونه عن الذين آمنوا ، بأن الله لا يحب الكافرين الخائنين ، فلذلك يَدفع عن المؤمنين لردّ أذَى الكافرين : ففي هذا إيذان بمفعول { يدافع } المحذوف ، أي يدافع الكافرين الخائنين .

والخوّان : الشديد الخَوْن ، والخون كالخيانة ، الغدْر بالأمانة ، والمراد بالخوّان الكافر ، لأن الكفر خيانة لعهد الله الذي أخذه على المخلوقات بأن يوحدوه فجعله في الفطرة وأبلغه الناسَ على ألسنة الرسل فنبه بذلك ما أودعهم في فطرتهم .

والكفُور : الشديد الكفر : وأفادت ( كلّ ) في سياق النفي عمومَ نفي مَحبة الله عن جميع الكافرين إذ لا يحتمل المقام غير ذلك . ولا يتوهم من قوله { لا يحب كل خوان } أنه يحب بعض الخوانين لأن كلمة ( كلّ ) اسم جامد لا يشعر بصفة فلا يتوهم توجه النفي إلى معنى الكلية المستفاد من كلمة { كل } وليس هو مثل قوله تعالى : { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] الموهم أن نفي قوّة الظلم لا يقتضي نفي قليل الظلم .