اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ} (38)

قوله تعالى{[31294]} : { إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا } قرأ ابن كثير وأبو عمرو «يَدْفَعُ » ، والباقون «يُدَافِع »{[31295]} . وفيه وجهان :

أحدهما : أن ( فَاعِل ) بمعنى ( فَعَل ) المجرد نحو جاوزته وجزته وسافرت وطارقت{[31296]} .

والثاني : أنه أُخرج على زنة المفاعلة مبالغة فيه لأن فعل المبالغة أبلغ من غيره {[31297]} .

وقال ابن عطية : يحسن «يُدَافِع »{[31298]} لأنه قد عن{[31299]} للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته ودفعه عنهم مدافعة{[31300]} . يعني فتختلط فيها المفاعلة .

فصل

لما بيَّن الحج ومناسكه ، وما فيه من منافع الدنيا والآخرة ، وذكر قبل ذلك صد الكفار عن المسجد الحرام ، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال : { إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا }{[31301]} قال مقاتل : إن الله يدفع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة ، وهذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم ، فاستأذنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتلهم سراً فنهاهم {[31302]} .

والمعنى : أن الله يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم من المؤمنين{[31303]} ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم ، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين{[31304]} ، فلذلك قال بعده { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته{[31305]} وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار ، وهو كقوله{[31306]} { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى }{[31307]} [ آل عمران : 111 ] وقوله { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ }{[31308]} [ غافر : 51 ] وقوله : { إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون }{[31309]} {[31310]} [ الصافات : 72 ] .

{ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ } في أمانة الله «كَفُوْرٍ » لنعمته . قال ابن عباس : خافوا الله فجعلوا معه شركاء وكفروا نعمه{[31311]} . قال الزجاج : من تقرب إلى الأصنام{[31312]} بِذَبِيحَتِهِ وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور{[31313]} . قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه {[31314]} .


[31294]:تعالى: سقط من ب.
[31295]:السبعة: (437). الكشف 2/119 – 120، النشر 2/326، الإتحاف 315.
[31296]:وذلك لأن المفاعلة قد تكون من واحد نحو: عاقبت اللص، وداويت العليل وقد تكون فاعل للتكرير، يدفع عنهم مرة بعد مرة، وقد يأتي فاعل من واحد، قالوا: سافر زيد. الكشف 2/120، التبيان 2/943، البحر المحيط 6/373.
[31297]:انظر الكشاف 3/34، التبيان 2/943.
[31298]:في النسختين دفاع. والصواب ما أثبته.
[31299]:في النسختين: عز. وما أثبته من تفسير ابن عطية.
[31300]:تفسير ابن عطية 10/287، وفيه (معارضته) مكان (مقاومته).
[31301]:انظر الفخر الرازي 23/39.
[31302]:المرجع السابق.
[31303]:انظر البغوي 5/591.
[31304]:في النسختين: أنه يدافع بين المشركين. وما أثبته من الفخر الرازي.
[31305]:انظر الفخر الرازي: 23/ 39.
[31306]:في الأصل: قوله.
[31307]:من قوله تعالى: {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} [آل عمران: 111].
[31308]:من قوله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51].
[31309]:[الصافات: 172].
[31310]:انظر الفخر الرازي 23/39.
[31311]:انظر البغوي 5/591-592.
[31312]:في ب: الله. وهو تحريف.
[31313]:معاني القرآن وإعرابه 3/429 بتصرف يسير والبغوي 5/592.
[31314]:انظر الفخر الرازي 23/40.