إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ} (38)

{ إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمَنُواْ } كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لتوطينِ قلوبِ المُؤمنين ببيانِ أنَّ الله تعالى ناصرُهم على أعدائِهم بحيثُ لا يقدرُون على صدِّهم عن الحجِّ ليتفرَّغُوا إلى أداءِ مناسكِه . وتصديرُه بكلمةِ التَّحقيقِ لإبرازِ الاعتناءِ التَّامِّ بمضمونهِ وصيغةُ المفاعلةِ إمَّا للمبالغةِ أو للدِّلالةِ على تكرُّرِ الدَّفعِ فإنَّها قد تُجرَّدُ عن وقوعِ الفعلِ المتكرِّرِ من الجانبينِ فيبقى تكرُّره كما في الممارسةِ أي يبالغ في دفع غائلةِ المشركينَ وضررِهم الذي من جُملته الصَّدُّ عن سبيلِ الله مبالغةً من يغالب فيه أو يدفعها عنهم مرَّةً بعد أُخرى حسبما تجدَّدَ منهم القصدُ إلى الإضرارِ بالمسلمينَ كما في قولِه تعالى : { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله } وقُرئ يدفعُ والمفعولُ محذوفٌ . وقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } تعليلٌ لما في ضمن الوعدِ الكريمِ من الوعيد للمشركينَ وإيذانٌ بأنَّ دفعهم بطريقِ القهرِ والخِزْيِ . ونفيُ المحبَّةِ كنايةٌ عن البُغضِ أي أنَّ اللَّهَ يُبغضُ كلَّ خَوَّانٍ في أماناته تعالى وهي أوامرُه ونواهيه أو في جميعِ الأماناتِ التي هي معظمُها كفورٌ لنعمته ، وصيغةُ المُبالغةِ فيهما لبيان أنَّهم كذلك لا لتقييدِ البُغضِ بغايةِ الخيانةِ والكفرِ أو للمبالغةِ في نفيِ المحبَّةِ على اعتبارِ النَّفيِ أوَّلاً وإيراد معنى المبالغةِ ثانياً .