في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

69

وأمام ذلك التحجر لم يجد إبراهيم - على حلمه وأناته - إلا أن يهزهم بعنف ، ويعلن عداوته للأصنام ، وللعقيدة الفاسدة التي تسمح بعبادتها لمثل تلك الاعتبارات !

( قال : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون ? فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) . .

وهكذا لم يمنعه أن أباه وأن قومه يعبدون ما يعبدون ، أن يفارقهم بعقيدته ، وأن يجاهر بعدائه لآلهتهم وعقيدتهم ، هم وآباؤهم - وهم آباؤه - الأقدمون !

وكذلك يعلم القرآن المؤمنين أن لا مجاملة في العقيدة لوالد ولا لقوم ؛ وأن الرابطة الأولى هي رابطة العقيدة ، وأن القيمة الأولى هي قيمة الإيمان . وأن ما عداه تبع له يكون حيث يكون .

واستثنى إبراهيم ( رب العالمين )من عدائه لما يعبدون هم وآباؤهم الأقدمون : ( فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) . . فقد يكون من آبائهم الأقدمين من عبد الله ، قبل أن تفسد عقيدة القوم وتنحرف ؛ وقد يكون من عبد الله ولكن أشرك معه آلهة أخرى مدعاة . فهو الاحتياط إذن في القول ، والدقة الواعية في التعبير ، الجديران بإبراهيم - عليه السلام - في مجال التحدث عن العقيدة وموضوعها الدقيق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

{ فإنهم عدو لي } يريد أنهم أعداء لعابديهم من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه ، أو أن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم وهو الشيطان ، لكنه صور الأمر في نفسه تعريضا لهم فإنه أنفع في النصح من التصريح ، وإشعارا بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول ، وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب . { إلا رب العالمين } استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

الفاء في قوله : { فإنهم عدو لي } للتفريع على ما اقتضته جملة : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } من التعجيب من شأن عبادتهم إياها . ويجوز جعل الرؤية بصرية لها مفعول واحد وجَعْل الاستفهام تقريرياً والكلام مستعمل في التنبيه لشيء يريد المتكلم الحديث عنه ليعيه السامع حق الوعي ، أو فاء فصيحة بتقدير : إن رأيتموهم فاعلموا أنهم عدُوّ لي . وهذا الوجه أظهر .

والاستثناء في قوله : { إلا رب العالمين } منقطع . و { إلا } بمعنى ( لكن ) إذا كان ربّ العالمين غير مشمول لعبادتهم إذ الظاهر أنهم ما كانوا يعترفون بالخالق ولم يكونوا يجعلون آلهتهم شركاء لله كما هو حال مشركي العرب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { قال بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : 63 ] فهو الصنم الأعظم عندهم ، وإلى قوله : { قال أتحاجّوني في الله وقد هدان } [ الأنعام : 80 ] . ويظهر أن الكلدانيين ( قوم إبراهيم ) لم يكونوا يؤمنون بالخالق الذي لا تدركه الأبصار . وكان أعظم الآلهة عندهم هو كوكبَ الشمس والصنم الذي يمثل الشمس هو ( بعل ) ، فوظيفة الأصنام عندهم تدبير شؤون الناس في حياتهم . وأما الإيجاد والإعدام فكانوا من الذين يقولون { وما يُهلكنا إلا الدهر } [ الجاثية : 24 ] وأن الإيجاد من أعمال التناسل وهم في غفلة عن سر تكوين تلك النظم الحيوانية وإيداعها فيها . وقد يكونون معترفين برب عظيم خالق للأكوان وإنما جعلوا الأصنام شركاء له في التصرف في نظام تلك المخلوقات كما كان حال الإشراك في العرب فيكون الاستثناء متصلاً لأنَّ الله من جملة معبودِيهم ، أي إلا الرب الذي خلق العوالم . وتقدم ذكر أصنام قوم إبراهيم في سورة الأنبياء . وانظر ما يأتي في سورة العنكبوت .