في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

فمن الكواكب رجوم تحفظ السماء من كل شيطان عات متمرد وتذوده عن الاستماع إلى ما يدور في الملأ الأعلى ؛ فإذا حاول التسمع تلقفته الرجوم من كل جانب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

{ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى } كلام مبتدأ لبيان حالهم بعدما حفظ السماء عنهم ، ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ، ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن واهدارها كقوله :

ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى *** . . .

فإن اجتماع ذلك منكر والضمير ل { كل } باعتبار المعنى ، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم عنه ، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي " وحفص " بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و { الملأ الأعلى } الملائكة وأشرافهم . { ويقذفون } ويرمون . { من كل جانب } من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

اعتراض بين جملة { إنَّا زيَّنا السماء الدُّنيا } [ الصافات : 6 ] وجملة { فاستفتِهِم أهُم أشدُّ خلقاً } [ الصافات : 11 ] قصد منه وصف قصة طرد الشياطين .

وعلى تقدير قوله : { وَحِفْظاً } [ الصافات : 7 ] مصدراً نائباً مناب فعله يجوز جعل جملة { لاَ يَسمعُونَ } بياناً لكيفية الحفظ فتكون الجملة في موقع عطف البيان من جملة { وحِفْظَاً } على حد قوله تعالى : { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك } [ طه : 120 ] الآية ، أي انتفى بذلك الحفظ سَمع الشياطين للملأ الأعلى .

وحرف { إلى } يشير إلى تضمين فعل { يَسَّمَّعُونَ } معنى ينتهون فيسمعون ، أي لا يتركهم الرمي بالشهب منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوب بل تدحرهم قبل وصولهم فلا يتلقفون من عِلم ما يجري في الملأ الأعلى الأشياء مخطوفة غير متبينة ، وذلك أبعد لهم من أن يسمعوا لأنهم لا ينتهون فلا يسمعون . وفي « الكشاف » : أن سمعت المعدّى بنفسه يفيد الإِدراك ، وسمعت المعدّى ب { إلى } يفيد الإصغاء مع الإدراك .

وقرأ الجمهور : { لاَ يَسْمَعُونَ } بسكون السين وتخفيف الميم . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف { لا يسَّمَّعون } بتشديد السين وتشديد الميم مفتوحتين على أن أصله : لا يَتسمعون فقلبت التاء سيناً توصلاً إلى الإِدغام ، والتسمع : تطلب السمع وتكلفه ، فالمراد التسمع المباشر ، وهو الذي يتهيأ له إذا بلغ المكان الذي تصل إليه أصوات الملأ الأعلى ، أي أنهم يدحرون قبل وصولهم المكان المطلوب ، والقراءتان في معنى واحد . وما نقل عن أبي عبيد من التفرقة بينهما في المعنى والاستعمال لا يصح .

وحاصل معنى القراءتين أن الشهب تحول بين الشياطين وبين أن يسمعوا شيئاً من الملأ الأعلى وقد كانوا قبل البعثة المحمدية ربما اختطفوا الخطفة فألقوها إلى الكهان فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم قدر زيادة حراسة السماء بإرداف الكواكب بعضها ببعض حتى لا يرجع من خطف الخطفة سالماً كما دلّ عليه قوله : { إلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ } ، فالشهب كانت موجودة من قبل وكانت لا تحول بين الشياطين وبين تلقف أخبار مقطعة من الملأ الأعلى فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرمت الشياطين من ذلك .

و { الملأ } : الجماعة أهل الشأن والقدر . والمراد بهم هنا الملائكة . ووصف { المَلإِ } ب { الأعلى } لتشريف الموصوف .

والقذف : الرجم ، والجانب : الجهة ، والدُّحور : الطرد . وانتصب على أنه مفعول مطلق ل { يقذفون } . وإسناد فعل { يُقذفون } للمجهول لأن القاذف معلوم وهم الملائكة الموكّلون بالحفظ المشار إليه في قوله تعالى : { وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشُهُباً } [ الجن : 8 ] .

والعذاب الواصب : الدائم يقال : وصب يصب وصوباً ، إذا دام . والمعنى : أنهم يطردون في الدنيا ويحقرون ولهم عذاب دائم في الآخرة فإن الشياطين للنار { فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً } في سورة [ مريم : 68 ] ، ويجوز أن يكون المراد عذاب القذف وأنه واصب ، أي لا ينفكّ عنهم كلما حاولوا الاستراق لأنهم مجبولون على محاولته .