فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

{ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى } مستأنفة لبيان حالهم بعد حفظ السماء منهم ، وقال أبو حاتم : أي لئلا يسمعوا ثم حذف أن فرفع الفعل وكذا قال الكلبي ، قال النسفي : وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله ، فإن كل واحد من الحرفين غير مردود على انفراده ، ولكن اجتماعهما منكر ، والفرق بين سمعت فلانا يتحدث ، وسمعت إليه يتحدث ، وسمعت حديثه ، وإلى حديثه ، أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك انتهى . والملأ الأعلى أهل السماء الدنيا فما فوقها ، وسمى الكل منهم أعلى بإضافته إلى ملأ الأرض لأنهم سكان السماء ، والضمير في يسمعون للشياطين ، وقيل : إن جملة ( لا يسمعون ) صفة لكل شيطان .

وقيل : جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل : فما حالهم بعد حفظ السماء عنهم ؟ فقال : { لا يسمعون إلى الملأ الأعلى } قرأ الجمهور : بسكون السين وتخفيف الميم ، وقرئ بتشديدهما والأصل يتسمعون فالأولى تدل على انتفاء سماعهم دون استماعهم ، والثانية تدل على انتفائهما وفي معنى الأولى قوله تعالى : { أنهم عن السمع لمعزولون } قال مجاهد : كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون ، واختار الثانية أبو عبيدة قال لأن العرب لا تكاد تقول سمعت إليه ، وتقول تسمعت إليه ، وكان ابن عباس يقرأ مخففة وقال : إنهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون . { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا } أي يرمون من كل جانب من جوانب السماء ونواحيها وجهاتها بالشهب إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع