قوله : { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } قرأ الأخوان وَحفصٌ بتشديد السين ( فالميم ){[46753]} والأصل يَسْتَمِعُونَ فأدغم ، والباقون بالتخفيف{[46754]} فيهما . واختار أبو عُبَيْدٍ الأولى وقال : لو كان مخففاً لم يتعد بإِلى{[46755]} . وأجيب عنه بأن معنى الكلام لا يسمعون إلى الملأ ، وقال مكي : لأنه جرى مجرى مُطَاوِعِهِ وهو يسّمعون فكما كان يسمع يتعدى{[46756]} «بإلى » تعدى سَمِع بإلى ، وفَعِلْتُ وافْتَعَلْتُ في التعدي سواء فتسمع مطاوع سمع واستمع أيضاً مطاوع سمع فتعدى سمع تعدّي مطاوعه{[46757]} . وهذه الجملة منقطعة عما قبلها ولا يجوز فيها أن تكون صفة لشيطان على المعنى إذ يصير{[46758]} التقدير : مِنْ كل شَيْطَانٍ مَارِدٍ غير سامع أو مستمع وهو فاسد ، ولا يجوز أن يكون جواباً لسؤال سائل : لم تحفظ من الشياطين ؟ إذ يفسد معنى ذلك{[46759]} . وقال بعضهم : أصل الكلام لئلا يسمعوا فحذفت «اللام وأن » فارتفع الفعل وفيه تعسف{[46760]} . وقَدْ وَهِمَ أبو البقاء فيجوَز أن تكون صفة وأن تكون حالاً وأن تكون مستأنفة{[46761]} فالأولان ظاهِرَا الفساد والثَّالث إنْ عني به الاستئناف{[46762]} البياني فهو فاسد أيضاً . وإن أراد الانقطاع على ما تقدم فهو صحيح{[46763]} .
واحتجوا لقراءة التخفيف بقوله تعالى : { إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 212 ] . وروى مجاهد عن ابن عباس : أن الشياطين يسمعون إلى الملأ الأعلى ثم يمنعون ولا يسمعون وللأولين أن يجيبوا فيقولوا التنصيص على كونهم معزولين عن السمع لا يمنع من كونهم معزولين أيضاً عن التسمع{[46764]} بدلالة هذه الآية بل هذا أقوى في رَدْع الشياطين ومنعهم من استماع أخبار السماء فإن الذي منع من الاستماع بأن يكون ممنوعاً عن السمع أولى{[46765]} واعلم أن الفرق بين قولك : سَمِعْتُ حَدِيثَ فُلاَن وبين قولك : سمِعْتُ إلى حَدِيثه أنّ قولك : سِمِعْتُ حديثَه يفيد الإدراك وسمعت إلى حديثه يفيد الإصفاء مع الإدراك{[46766]} ، وفي قوله : «لا يسمعون إلى الملأ الأعلى » قولان أشهرهما : أن تقدير الكلام لئلا يسمعوا ، فلما حذف الناصب صار كقوله : { يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] وقوله : { رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] . قال الزمخشري : حذف{[46767]} اللام وإن كل واحد منهما جائز بانفراده وأما اجتماعهما فمن المنكرات التي يجب صون القرآن عنها ، قال الزمخشري : إنه كلام منقطع عما قبله وهو حكاية المُسْتَرِقِينَ السمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة ويتسمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن المقصود{[46768]} . والملأ الأعلى هم الملائكة الكتبة سكان السموات ومعنى يُقْذَفُونَ يُرْمَوْنَ من كل جانب من آفاق السماء{[46769]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.