إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

وقوله تعالى : { لا يَسمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى } كلامٌ مبتدأٌ مسوقٌ لبيان حالهم بعد بيانِ حفظِ السَّماءِ عنهم من التَّنبيهِ على كيفيةِ الحفظِ وما يعتريهم في أثناء ذلك من العذابِ ، ولا سبيلَ إلى جعلهِ صفةً لكلِّ شيطانٍ ولا جواباً عن سؤال مقدَّرٍ لعدمِ استقامةِ المعنى ولا علَّةً للحفظِ على أن يكونَ الأصلُ لئلاَّ يسمعُوا فحُذفتِ اللاَّمُ كما حُذفتْ من قولك جئتُك أنْ تكرمني فبقيَ أنْ لا يسمعُوا ثم يحذفُ أنْ ويُهدرُ عملُها كما في قولِ مَن قال : [ الطويل ]

أَلاَ أَيُهذا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الوَغَى *** [ وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي{[688]} ]

لما أنَّ كلَّ واحدٍ من ذينكَ الحذفينِ غيرُ منكرٍ بانفرادِه ، فأمَّا اجتماعُهما فمنْ أنكرِ المنكرات التي يجبُ تنزيهُ ساحةِ التَّنزيل الجليلِ عن أمثالها . وأصلُ يسمَّعون يتسمَّعُون . والملأُ الأعلى : الملائكةُ . وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : هم الكَتَبةُ . وعنه أشرافُ الملائكةِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ أي لا يتطلَّبون السَّماعَ والإصغاءَ إليهم . وقرئ يسمعُون بالتَّخفيفِ { وَيقْذفُونَ } يُرمَون { مِن كُلّ جَانِبٍ } من جميع جوانبِ السَّماءِ إذا قصدوا الصُّعودَ إليها


[688]:وهو لطرفة بن العبد في ديوانه (ص32)؛ وخزانة الأدب (1/119)، (8/579)؛ والدرر (1/74)؛ وسر صناعة الإعراب (1/285)؛ وشرح شواهد المغني (2/800)؛ ولسان العرب (13/32) (أنن) (14/272) (دنا) والمقاصد النحوية (4/402)؛ والمقتضب (2/85) وبلا نسبة في خزانة الأدب (1/463)، (8/507، 508، 585)؛ وشرح شذور الذهب (ص 198)؛ وشرح المفصل (2/7)، (4/28)، (7/52) ومغني اللبيب (2/383).