في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

22

ثم يعود السياق إلى بيان وظيفة الرسل التي أشار عليها عند الرد على مقولة المشركين عن إرادة الله الشرك لهم ولآبائهم . يعود إليها لبيان وظيفة الرسول الأخير - صلوات الله وسلامه عليه - وما معه من الذكر الأخير . وذلك تمهيدا لإنذار المكذبين به ما يتهددهم من هذا التكذيب :

( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . بالبينات والزبر ، وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، ولعلهم يتفكرون )

وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا . . لم نرسل ملائكة ، ولم نرسل خلقا آخر . رجالا مختارين ( نوحي إليهم ) كما أوحينا إليك ، ونكل إليهم التبليغ كما وكلنا إليك ( فاسألوا أهل الذكر ) أهل الكتاب الذين جاءتهم

الرسل من قبل ، أكانوا رجالا أم كانوا ملائكة أم خلقا آخر . اسألوهم ( إن كنتم لا تعلمون ) .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم } رد لقول قريش : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، أي جرت السنة الإلهية بأن لا يبعث للدعوة العامة إلا بشرا يوحي إليه على ألسنة الملائكة ، والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة " الأنعام " فإن شككتم فيه . { فاسألوا أهل الذكر } أهل الكتاب أو علماء الأخبار ليعلموكم . { إن كنتم لا تعلمون } وفي الآية دليل على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا ملكا للدعوة العامة وقوله : { جاعل الملائكة رسلا } معناه رسلا إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقيل لم يبعثوا إلى الأنبياء إلا متمثلين بصورة الرجال . ورد بما روي : أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل صلوات الله عليه على صورته التي هو عليها مرتين . وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

وقوله { وما أرسلنا من قبلك } الآية ، هذه الآية رد على كفار قريش الذين استبعدوا أن يكون البشر رسولاً من الله تعالى ، فأعلمهم الله تعالى مخاطباً لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسل إلى الأمم { إلا رجالاً } ، ولم يرسل ملكاً ولا غير ذلك ، و { رجالاً } منصوب ب { أرسلنا } و { إلا } إيجاب ، وقرأ الجمهور بضم الياء وفتح الحاء ، وقرأت فرقة «يُوحِي » بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ عاصم من طريق حفص وحده{[7312]} «نوحِي » بالنون وكسر الحاء ، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة بن مصرف وأبي عبد الرحمن ثم قال تعالى { فاسألوا } ، و { أهل الذكر } هنا اليهود والنصارى ، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن ، وقال الأعمش وسفيان بن عيينة : المراد من أسلم منهم ، وقال ابن جبير وابن زيد : { أهل الذكر } أهل القرآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان فيهما ضعف ، لأنه لا حجة على الكفار في إخبار المؤمنين بما ذكر ، لأنهم يكذبون هذه الصنائف ، وقال الزجاج : { أهل الذكر } هنا أحبار اليهود والنصارى الذين لم يسلموا ، وهم في هذه النازلة خاصة إنما يخبرون بأن الرسل من البشر ، وإخبارهم حجة على هؤلاء ، فإنهم لم يزالوا مصدقين لهم ولا يتهمون لشهادة لنا لأنهم مدافعون في صدر ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو كسر حجتهم من مذهبهم ، لا أنّا{[7313]} افتقرنا إلى شهادة هؤلاء ، بل الحق واضح في نفسه ، وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألون ويستندون إليهم .


[7312]:يعني وحده من السبعة، وإلا فقد قرأ بها معه كثيرون.
[7313]:في أكثر النسخ "لكنا" بدلا من "لا أنا". وقد نقلها أبو حيان في "البحر" كما أثبتناها هنا وهي الملائمة للمعنى.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

كانت الآيات السابقة جارية على حكاية تكذيب المشركين نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وإنكارهم أنه مرسل من عند الله وأن القرآن وحي الله إليه ، ابتداء من قوله تعالى : { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } [ سورة النحل : 24 ] ، وردّ مزاعمهم الباطلة بالأدلّة القارعة لهم متخلّلاً بما أدمج في أثنائه من معان أخرى تتعلّق بذلك ، فعاد هنا إلى إبطال شبهتهم في إنكار نبوءته من أنه بشر لا يليق بأن يكون سفيراً بين الله والناس ، إبطالاً بقياس التّمثيل بالرّسل الأسبقين الذين لا تنكر قريش رسالتهم مثل نوح وإبراهيم عليهما السلام . وهذا ينظر إلى قوله في أول السورة { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده } [ سورة النحل : 1 ] .

وقد غيّر أسلوب نظم الكلام هنا بتوجيه الخطاب إلى النبي بعد أن كان جارياً على أسلوب الغيبة ابتداء من قوله تعالى : { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة } [ سورة النحل : 22 ] ، وقوله تعالى { وقال الذين أشركوا } [ سورة النحل : 35 ] الآية ، تأنيساً للنبيء عليه الصلاة والسلام لأن فيما مضى من الكلام آنفاً حكاية تكذيبهم إيّاه تصريحاً وتعريضاً ، فأقبل الله على الرسول بالخطاب لما في هذا الكلام من تنويه منزلته بأنه في منزلة الرسل الأولين عليهم الصلاة والسلام .

وفي هذا الخطاب تعريض بالمشركين ، ولذلك التفت إلى خطابهم بقوله تعالى : { فسألوا أهل الذكر } .

وصيغة القصر لقلب اعتقاد المشركين وقولهم : { أبعث الله بشراً رسولاً } [ سورة الإسراء : 94 ] ، فقصر الإرسال على التعلّق برجال موصوفين بأنهم يوحى إليهم .

ثم أشهد على المشركين بشواهد الأمم الماضية وأقبل عليهم بالخطاب توبيخاً لهم لأن التوبيخ يناسبه الخطاب لكونه أوقع في نفس الموبّخ ، فاحتجّ عليهم بقوله : { فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الخ . فهذا احتجاج بأهل الأديان السابقين أهل الكتُب اليهود والنصارى والصابئة .

و { الذّكر } : كتاب الشريعة . وقد تقدم عند قوله تعالى : { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر } في أول سورة الحِجر ( 6 ) .

وفي قوله تعالى : { إن كنتم لا تعلمون } إيماء إلى أنهم يعلمون ذلك ولكنهم قصدوا المكابرة والتمويه لتضليل الدهماء ، فلذلك جيء في الشرط بحرف { إن } التي ترد في الشرط المظنون عدم وجوده .

وجملة { فسألوا أهل الذكر } معترضة بين جملة { وما أرسلنا } وبين قوله تعالى : { بالبينات والزبر } .

والجملة المعترضة تقترن بالفاء إذا كان معنى الجملة مفرّعاً على ما قبله ، وقد جعلها في « الكشاف » معترضة على اعتبار وجوه ذكرها في متعلّق قوله تعالى : { بالبينات } .

ونقل عنه في سورة الإنسان ( 29 ) عند قوله تعالى : { إن هذه تذكرة فمن شاء اتّخذ إلى ربه سبيلا } أنه لا تقترن الجملة المعترضة بالفاء .

وتردد صاحب « الكشاف » في صحة ذلك عنه لمخالفته كلامه في آية سورة النحل .