الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " قراءة العامة " يوحى " بالياء وفتح الحاء . وقرأ حفص عن عاصم " نوحي إليهم " بنون العظمة وكسر الحاء . نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فهلا بعث إلينا ملكا ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : " وما أرسلنا من قبلك " إلى الأمم الماضية يا محمد " إلا رجالا " آدميين . " فاسألوا أهل الذكر " قال سفيان : يعني مؤمني أهل الكتاب . وقيل : المعنى فاسألوا أهل الكتاب فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر . روي معناه عن ابن عباس ومجاهد . وقال ابن عباس : أهل الذكر أهل القرآن . وقيل : أهل العلم ، والمعنى متقارب . " إن كنتم لا تعلمون " يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرا . " بالبينات والزبر " قيل : " بالبينات ، متعلق " بأرسلنا " . وفي الكلام تقديم وتأخير ، أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا - أي غير رجال ، " فإلا " بمعنى غير ؛ كقوله : لا إله إلا الله ، وهذا قول الكلبي - نوحي إليهم . وقيل : في الكلام حذف دل عليه " أرسلنا " أي أرسلناهم بالبينات والزبر . ولا يتعلق " بالبينات " ب " أرسلنا " الأول على هذا القول ؛ لأن ما قبل " إلا " لا يعمل فيما بعدها ، وإنما يتعلق بأرسلنا المقدرة ، أي أرسلناهم بالبينات . وقيل : مفعول " بتعلمون " والباء زائدة ، أو نصب بإضمار أعني ؛ كما قال الأعشى :

وليس مجيراً إن أتى الحيَّ خائف *** ولا قائلاً إلا هو المتعيَّبَا

أي أعني المتعيب .