تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

الآية 43 : وقوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم } هذا ، والله أعلم ، يكون على إثر أمر كان من الكفرة نحو ما قال أهل التأويل : إنهم { قالوا أبعث الله بشرا رسولا } ( الإسراء : 94 ) وقالوا : { لولا أنزل علينا الملائكة } ( الفرقان : 21 ) ونحوه من كلامهم . فقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم } أي إلا بشرا ، أي لم نرسل من غير البشر ، فيكون قوله : { إلا رجالا } كناية عن البشر أو يكون{[10175]} قوله : { إلا رجالا نوحي إليهم } أي لم يبعث من النساء رسولا ، إنما بعث الرسل من الرجال إلى الرجال والنساء ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } قال بعضهم : ليس على الأمر بالسؤال ، ولكن لو سألتم أهل الذكر لأخبروكم أنه لم يبعث الرسول من قبل إلا من البشر .

وقال بعضهم : هو على الأمر بالسؤال ؛ أي اسألوا أهل الذكر ، فتقلدوهم ؛ أي إن كان لا بد لكم من التقليد فاسألوا أهل الذكر ، فقلدوهم ، ولا تقلدوا آباءهم ومن لا يعرف الكتاب ، ولكن قلدوا أهل الذكر .

قال بعضهم : { فاسألوا أهل الذكر } فقلدوهم { إن كنتم لا تعلمون } بالبينات والحجج لأنهم كانوا أهل تقليد ، لم يكونوا أهل نظر وتفكر في الحجج والبينات .

ويحتمل أن يكون قوله : { إن كنتم لا تعلمون } البينات والزبر التي{[10176]} أتت بها الرسل لتخبركم أن الرسل إنما بعثوا من البشر بالبينات والكتب ، فيكون على التقديم الذي ذكره بعض أهل التأويل : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم بالبينات والزبر .

ويحتمل قوله : { فاسألوا أهل الذكر } أي أهل الشرف من أهل الكتاب ليبينوا لكم البينات والزبر لأنهم يأنفون الكتمان والكذب ، وإن كان أهل الذكر جميع أهل الكتاب ، فالسؤال عن الرسل أنهم كانوا من البشر والرجال لأنهم يعلمون بذلك .


[10175]:أدرج قبلها في الأصل وم: أن.
[10176]:أدرج قبلها في الأصل وم: والرسل.