المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

وقوله { وما أرسلنا من قبلك } الآية ، هذه الآية رد على كفار قريش الذين استبعدوا أن يكون البشر رسولاً من الله تعالى ، فأعلمهم الله تعالى مخاطباً لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسل إلى الأمم { إلا رجالاً } ، ولم يرسل ملكاً ولا غير ذلك ، و { رجالاً } منصوب ب { أرسلنا } و { إلا } إيجاب ، وقرأ الجمهور بضم الياء وفتح الحاء ، وقرأت فرقة «يُوحِي » بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ عاصم من طريق حفص وحده{[7312]} «نوحِي » بالنون وكسر الحاء ، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة بن مصرف وأبي عبد الرحمن ثم قال تعالى { فاسألوا } ، و { أهل الذكر } هنا اليهود والنصارى ، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن ، وقال الأعمش وسفيان بن عيينة : المراد من أسلم منهم ، وقال ابن جبير وابن زيد : { أهل الذكر } أهل القرآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان فيهما ضعف ، لأنه لا حجة على الكفار في إخبار المؤمنين بما ذكر ، لأنهم يكذبون هذه الصنائف ، وقال الزجاج : { أهل الذكر } هنا أحبار اليهود والنصارى الذين لم يسلموا ، وهم في هذه النازلة خاصة إنما يخبرون بأن الرسل من البشر ، وإخبارهم حجة على هؤلاء ، فإنهم لم يزالوا مصدقين لهم ولا يتهمون لشهادة لنا لأنهم مدافعون في صدر ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو كسر حجتهم من مذهبهم ، لا أنّا{[7313]} افتقرنا إلى شهادة هؤلاء ، بل الحق واضح في نفسه ، وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألون ويستندون إليهم .


[7312]:يعني وحده من السبعة، وإلا فقد قرأ بها معه كثيرون.
[7313]:في أكثر النسخ "لكنا" بدلا من "لا أنا". وقد نقلها أبو حيان في "البحر" كما أثبتناها هنا وهي الملائمة للمعنى.