معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (43)

وقوله : { وَما أَرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً43 }

ثم قال : { بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ 44 }

بعد إِلاَّ وَصِلَةُ ما قَبِل إِلاَّ لا تتأخّر بعد إلاَّ . وذلك جائز على كلامين . فمن ذلك أن تقول : ما ضرب زَيْداً إلاَّ أخوكَ ، وما مَرّ بزيد إلاّ أخوك . ( فإن قلت ما ضرب [ سقط في ا ] إلاّ أخوك زيداً أو ما مرّ إلا أخوك بزيد ) فإنه على كلامين تريد ما مَرّ إلا أخوك ثم تقول : مَرّ بزيد . ومثله قولُ الأعشى :

وليس مُجيراً إن أتى الحيَّ خائف *** ولا قائلاً إلا هو المتَعَيَّبَا

فلو كان على كلمة واحدة كان خطأ ؛ لأن المتعيّب من صلة القائل فأخّره ونوى كلامين فجاز ذلك . وقال الآخر :

نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بالنار جارتهُمْ *** وهل يعِّذب إلاّ اللهُ بالنارِ

ورأيت الكسائي يجعل ( إِلاّ ) مع الجحد والاستفهام بمنزلة غير فينصب ما أشبه هذا على كلمة واحدة ، واحتجّ بقول الشاعر :

فلم يَدْر إِلاّ اللهُ ما هيَّجت لَنا *** أَهِلَّةُ أناء الديار وشامُها

ولا حجَّة له في ذلك لأنّ ( ما ) في موضع أي فلها فعل مضمر على كلامين . ولكنه حَسُن قوله ، يقول الله عزّ وجل { لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتَا } فقال : لا أجد المعنى إلاّ لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا ، واحتجَّ بقول الشاعر :

أبنى لُبَيْني لَسْتُم بيدٍ *** إلاّ يدٍ ليست لها عضد

فقال لو كان المعنى إِلاَّ كان الكلام فاسداً في هذا ؛ لأني لا أقدر في هذا البيت على إعادة خافض بضمير وقد ذهب ها هنا مذهباً .