في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (140)

124

ومن ثم يضرب السياق عنه ، وينتقل إلى مجال آخر من مجالات الجدل . يظهر أنه هو الآخر غير قابل للجاجة والمحال :

( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ؟ ) .

وهم كانوا أسبق من موسى ، وأسبق من اليهودية والنصرانية . والله يشهد بحقيقة دينهم - وهو الإسلام كما سبق البيان - :

( قل : أأنتم أعلم أم الله ؟ ) . .

وهو سؤال لا جواب عليه ! وفيه من الاستنكار ما يقطع الألسنة دون الجواب عليه !

ثم إنكم لتعلمون أنهم كانوا قبل أن تكون اليهودية والنصرانية . وكانوا على الحنيفية الأولى التي لا تشرك بالله شيئا . ولديكم كذلك شهادة في كتبكم أن سيبعث نبي في آخر الزمان دينه الحنيفية ، دين إبراهيم . ولكنكم تكتمون هذه الشهادة :

( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ؟ ) . .

والله مطلع على ما تخفون من الشهادة التي ائتمنتم عليها ، وما تقومون به من الجدال فيها لتعميتها وتلبيسها :

( وما الله بغافل عما تعملون ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (140)

{ أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى } أم منقطعة والهمزة للإنكار . وعلى قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالتاء يحتمل أن تكون معادلة للهمزة في { أتحاجوننا } ، بمعنى أي الأمرين تأتون المحاجة ، أو ادعاء اليهودية ، أو النصرانية على الأنبياء . { قل أأنتم أعلم أم الله } وقد نفي الأمرين عن إبراهيم بقوله : { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا } واحتج عليه بقوله : { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } . وهؤلاء المعطوفون عليه أتباعه في الدين وفاقا . { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } يعني شهادة الله لإبراهيم بالحنيفية والبراءة عن اليهودية والنصرانية ، والمعنى لا أحد أظلم من أهل الكتاب ، لأنهم كتموا هذه الشهادة . أو منا لو كتمنا هذه الشهادة ، وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد عليه الصلاة والسلام بالنبوة في كتبهم وغيرها ، ومن للابتداء كما في قوله تعالى : { براءة من الله ورسوله } . { وما الله بغافل عما تعملون } وعيد لهم وقرئ بالياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (140)

{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ( 140 )

وقوله تعالى : { أم تقولون } عطف على ألف الاستفهام المتقدمة( {[1327]} ) ، وهذه القراءة بالتاء من فوق قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، وقرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم «أم يقولون » بالياء من أسفل ، و { أم } على هذه القراءة مقطوعة ، ذكره الطبري ، وحكي عن بعض النحاة أنها ليست بمقطوعة لأنك إذا قلت أتقوم أم يقوم عمرو ؟ فالمعنى أيكون هذا أم هذا ؟ .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا المثال غير جيد ، لأن القائل فيه واحد والمخاطب واحد ، والقول في الآية من اثنين والمخاطب اثنان غيران ، وإنما تتجه معادلة { أم } للألف على الحكم المعنوي كأن معنى { قل أتحاجوننا } أي أيحاجون يا محمد أم يقولون ، وقيل أن { أم } في هذا الموضع غير معادلة على القراءتين ، وحجة ذلك اختلاف معنى الآيتين وإنهما ليسا قسمين ، بل المحاجة موجودة في دعواهم الأنبياء عليهم السلام ، ووقفهم( {[1328]} ) تعالى على موضع الانقطاع في الحجة ، لأنهم إن قالوا إن الأنبياء المذكورين على اليهودية والنصرانية كذبوا ، لأنه قد علم أن هذين الدينين حدثا بعدهم ، وإن قالوا لم يكونوا على اليهودية النصرانية قيل لهم فهلموا إلى دينهم إذ تقرون بالحق .

وقله تعالى : { قل أأنتم أعلم أم الله } تقرير على فساد دعواهم إذ لا جواب لمفطور إلا أن الله تعالى أعلم ، و { من أظلم } لفظه الاستفهام والمعنى لا أحد أظلم منهم ، وإياهم أراد تعالى بكتمان الشهادة .

واختلف في الشهادة هنا ما هي ؟ فقال مجاهد والحسن والربيع : هي ما في كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية لا على ما ادعوا هم ، وقال قتادة وابن زيد : هي ما عندهم من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه ، والأول أِشبه بسياق معنى الآية ، واستودعهم الله تعالى هذه الشهادة ولذلك قال : { من الله } ، ف { من } على هذا متعلقة ب { عنده }( {[1329]} ) ، كأن المعنى شهادة تحصلت له من الله ، ويحتمل أن تتعلق { من } ب { كتم } ، أي كتمها من الله .

وقوله تعالى : { وما الله بغافل عما تعملون } ، وعيد وإعلام أنه لا يترك أمرهم سدى ، وأن أعمالهم تحصى( {[1330]} ) ويجازون عليها ، والغافل الذي لا يفطن للأمور إهمالاً منه ، مأخوذ من الأرض الغفل ، وهي التي لا معلم بها( {[1331]} ) .


[1327]:- يعني أنها معادلة للهمزة، أي متصلة. وحاصل الأقوال هنا ثلاثة: متصلة على القراءتين، ومنقطعة على القراءتين، ومتصلة على قراءة التاء دون قراءة الياء فإنها منقطعة، والذي رجحه ابن عطية فيما يبدو هو القول الثالث حيث قال: وإنما تتجه معادلة (أم) للألف على الحكم المعنوي إلى آخره. ثم قرر القول الثاني تقريرا ينشرح له الصدر فقال: وحجة ذلك اختلاف معنى الآيتين وأنهما ليسا قسمين إلى آخر ما ذكره، وكأنه رجحه ورضيه وهو الظاهر، فإن الله سبحانه قد أقامهم على موضع الانقطاع في الحجة بقوله: (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) أي بل تقولون إلخ، فإن قالوا: كانوا على دين اليهودية والنصرانية كذبوا، وإن قالوا: لم يكونوا على ذلك فقد أقروا بالحق وما بعد الحق إلا الضلال.
[1328]:- هذه هي اللغة الفصحى، وأوقف لغة تميم، وأنكرها الأصمعي إلا في نحو: ما أوقفك ها هنا؟ وأنت تريد: أي شأن حملك على الوقوف؟
[1329]:- نسبة التعلق إلى الظرف نسبة مجازية فإن العامل في الظرف هو الذي يتعلق به الجار والمجرور، ويظهر من كلام الزمخشري قول آخر وهو أن (من الله) في موضع الصفة لشهادة أي شهادة كائنة من الله، كقوله تعالى: (براءة من الله ورسوله) والتعلق بكتم يستدعي حذفا، والتقدير: كتم من عباد الله شهادة عنده، والله أعلم.
[1330]:- وفي بعض النسخ تحصل.
[1331]:- وفي بعض النسخ لا معلم بها.