في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (136)

124

ثم يدعو المسلمين لإعلان الوحدة الكبرى للدين ، من لدن إبراهيم أبي الأنبياء إلى عيسى بن مريم ، إلى الإسلام الأخير . ودعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بهذا الدين الواحد :

( قولوا : آمنا بالله ، وما أنزل إلينا ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم . لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) . .

تلك الوحدة الكبرى بين الرسالات جميعا ، وبين الرسل جميعا ، هي قاعدة التصور الإسلامي وهي التي تجعل من الأمة المسلمة ، الأمة الوارثة لتراث العقيدة القائمة على دين الله في الأرض ، الموصولة بهذا الأصل العريق ، السائرة في الدرب على هدى ونور . والتي تجعل من النظام الإسلامي النظام العالمي الذي يملك الجميع الحياة في ظله دون تعصب ولا اضطهاد . والتي تجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعا مفتوحا للناس جميعا في مودة وسلام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (136)

{ قولوا آمنا بالله } الخطاب للمؤمنين لقوله تعالى : { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } { وما أنزل إلينا } القرآن ، قدم ذكره لأنه أول بالإضافة إلينا ، أو سبب للإيمان بغيره { وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } الصحف ، وهي وإن نزلت إلى إبراهيم لكنهم لما كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها فهي أيضا منزلة إليهم ، كما أن القرآن منزل إلينا ، والأسباط جمع سبط وهو الحافد ، يريد به حفدة يعقوب ، أو أبناءه وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق { وما أوتي موسى وعيسى } التوراة والإنجيل ، أفردهما بالذكر بحكم أبلغ لأن أمرهما بالإضافة إلى موسى وعيسى مغاير لما سبق ، والنزاع وقع فيهما { وما أوتي النبيون } جملة المذكورين منهم وغير المذكورين .

{ من ربهم } منزلا عليهم من ربهم . { لا نفرق بين أحد منهم } كاليهود ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأحد لوقوعه في سياق النفي عام فساغ أن يضاف إليه بين . { ونحن له } أي لله { مسلمون } مذعنون مخلصون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (136)

{ قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }( 136 )

هذا الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، علمهم الله الإيمان( {[1313]} ) ، و { ما أنزل إلينا } يعني به القرآن ، وصحت إضافة الإنزال إليهم من حيث هم المأمورون المنهيون فيه ، و { إبراهيم وإسماعيل } يجمعان براهيم وسماعيل ، هذا هو اختيار سيبويه والخليل ، وقال قوم «براهم » ، وقال الكوفيون : «براهمة وسماعلة » ، وقال المبرد : «أباره وأسامع » ، وأجاز ثعلب «براه » كما يقال في التصغير «بريه » ، { والأسباط } هم ولد يعقوب ، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا ، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين ، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو ، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل ، فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط( {[1314]} ) ، و { ما أوتي موسى } هو التوراة وآياته ، و «ما أوتي عيسى » هو الإنجيل وآياته ، فالمعنى أنا نؤمن بجميع الأنبياء لأن جميعهم جاء بالايمان بالله ، فدين الله واحد وإن اختلفت أحكام الشرائع( {[1315]} ) ، و { لا نفرق بين أحد منهم } أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون ، وفي الكلام حذف تقديره : بين أحد منهم وبين نظيره( {[1316]} ) ، فاختصر لفهم السامع ، والضمير في { له } عائد على اسم الله عز وجل .


[1313]:- في حديث أبي هريرة عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذوبهم، وقولوا آمنا بالله) الآية.
[1314]:- تنبيه: وقع للإمام الكشاف هنا أنه فسر الأسباط بحفدة يعقوب ذراري أبنائه الأثنى عشر- وهذا تفسير عام يشمل الأمم الإسرائيلية التي هي بمنزلة القبائل في العرب، والحق أن الأسباط هنا حفدة إسحاق أولاد يعقوب، وأما المعنى الذي ذكره فمحله قوله تعالى في سورة الأعراف: (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما)، فالأسباط أبناء يعقوب، وفيما يأتي أبناء أبناء يعقوب- ومعلوم أن الأسباط الثاني في سورة البقرة هو الأسباط الأول المذكور فيها، وقد فسرهم صاحب (روح البيان) بما فسر به صاحب (الكشاف) وإن كان قد مشى في الأسباط الأول على الصواب، وكيف يكون ذلك في الأسباط الثاني ذكروا في معرض التوبيخ لمن نسب لهم التهود والتنصر؟ فلو كان المراد بهم ما ذكره لكانت نسبة التهود والتنصر إليهم صحيحة، فإن التهود والتنصر في أولاد أولاد يعقوب موجودان بل جل الأسباط بهذا المعنى على التهود والتنصر، فكيف مع هذا يستقيم التوبيخ والتقبيح؟ نبه على ذلك بعض شيوخنا رحمهم الله تعالى.
[1315]:- يعني أن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام وإن اختلفت الشرائع وتنوعت المناهج، كما قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وكما قال صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد".
[1316]:- لأن (بين) لا يتبين معناه إلا بإضافته إلى اثنين فصاعدا أو ما يقوم مقام ذلك، كقوله تعالى: (عوان بين ذلك) ولك أن تقول: إن (أحدا) في معنى الجمع، كما تقول: المال بين القوم.