في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

ويسكت سياق القصة بعد هذا عن السنوات الطوال ما بين مولد موسى - عليه السلام - والحلقة التالية التي تمثل شبابه واكتماله . فلا نعلم ماذا كان بعد رده إلى أمه لترضعه . ولا كيف تربى في قصر فرعون . ولا كيف كانت صلته بأمه بعد فترة الرضاعة . ولا كيف كان مكانه في القصر أو خارجه بعد أن شب وكبر إلى أن تقع الأحداث التالية في الحلقة الثانية . ولا كيف كانت عقيدته ، وهو الذي يصنع على عين الله ، ويعد لوظيفته ، في وسط عباد فرعون وكهنته . .

يسكت سياق القصة عن كل هذا ويبدأ الحلقة الثانية مباشرة حين بلغ أشده واستوى ، فقد آتاه الله الحكمة والعلم ، وحزاه جزاء المحسنين :

( ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما . وكذلك نجزي المحسنين ) . .

وبلوغ الأشد اكتمال القوى الجسمية . والاستواء اكتمال النضوج العضوي والعقلي . وهو يكون عادة حوالي سن الثلاثين . فهل ظل موسى في قصر فرعون ، ربيبا ومتبنى لفرعون وزوجه حتى بلغ هذه السن ? أم إنه افترق عنهما ، واعتزل القصر ، ولم تسترح نفسه للحياة في ظل تلك الأوضاع الآسنة التي لا تستريح لها نفس مصفاة مجتباة كنفس موسى - عليه السلام - ? وبخاصة أن أمه لا بد أن تكون قد عرفته من هو ومن قومه وما ديانته . وهو يرى كيف يسام قومه الخسف البشع والظلم الشنيع ، والبغي اللئيم ؛ وهو يرى أبشع صورة للفساد الشائع الأثيم .

ليس لدينا من دليل . ولكن سياق الحوادث بعد هذا يلهم شيئا من هذا كما سيجيء ؛ والتعقيب على إتيانه الحكمة والعلم : ( وكذلك نجزي المحسنين )يشي كذلك بأنه أحسن فأحسن الله إليه بالحكمة والعلم :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

{ ولما بلغ أشده } مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ . وروي أنه لم يبعث نبي إلا على رأس الأربعين سنة . { واستوى } قده أو عقله . { آتيناه حكما } أي نبوة . { وعلما } بالدين ، أو علم الحكماء والعلماء سمتهم قبل استنبائه ، فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه ، وهو أوفق لنظم القصة لان الاستنباء بعد الهجرة في المراجعة . { وكذلك } ومثل الذي فعلنا بموسى وأمه . { نجزي المحسنين } على إحسانهم .