في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ} (6)

فأما وقد جاءتهم البينة من قبل في دياناتهم على أيدي رسلهم ؛ ثم جاءتهم البينة ، حية في صورة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ؛ ويقدم لهم عقيدة ، واضحة بسيطة ميسرة ، فقد تبين الطريق . ووضح مصير الذين يكفرون والذين يؤمنون :

( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية . إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ذلك لمن خشي ربه ) . .

إن محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] هو الرسول الأخير ؛ وإن الإسلام الذي جاء به هو الرسالة الأخيرة . وقد كانت الرسل تتوالى كلما فسدت الأرض لترد الناس إلى الصلاح . وكانت هناك فرصة بعد فرصة ومهلة بعد مهلة ، لمن ينحرفون عن الطريق فأما وقد شاء الله أن يختم الرسالات إلى الأرض بهذه الرسالة الأخيرة الجامعة الشاملة الكاملة ، فقد تحددت الفرصة الأخيرة ، فإما إيمان فنجاة ، وإما كفر فهلاك . ذلك أن الكفر حينئذ دلالة على الشر الذي لا حد له ، وأن الإيمان دلالة على الخير البالغ أمده .

( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها . أولئك هم شر البرية )حكم قاطع لا جدال فيه ولا محال . مهما يكن من صلاح بعض أعمالهم وآدابهم ونظمهم ما دامت تقوم على غير إيمان ، بهذه الرسالة الأخيرة ، وبهذا الرسول الأخير . لا نستريب في هذا الحكم لأي مظهر من مظاهر الصلاح ، المقطوعة الاتصال بمنهج الله الثابت القويم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ} (6)

ودل على ما قدرته في أمر المشركين بذكرهم في نتيجة ما مضى في قوله مؤكداً لأجل إنكارهم : { إن الذين كفروا } أي وقع منهم الستر لمرائي عقولهم بعد صرفها للنظر الصحيح فضلوا واستمروا على ذلك ، وإن لم يكونوا عريقين فيه { من أهل الكتاب } أي اليهود والنصارى { والمشركين } أي العريقين في الشرك ، ودل بالإتيان بالوصف هنا والفعل في أولئك - والله أعلم - على أن المشرك يرجع عن شركه ويؤمن إن لم يكن عريقاً في الشرك ، بخلاف أهل الكتاب متى تلبس أحد منهم بكفر لا يرجع عنه ، وإن كان تلبسه به على أضعف الوجوه ، وكذا كل من ينسب إلى علم - ولا سيما إن كان بليداً - متى عرضت له شبهة بعد رجوعه عنها ، فلذلك جمع بينهم في قوله : { في نار جهنم } أي النار التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة تكون عذاباً لأجسامهم { خالدين فيها } أي يوم القيامة أو في الحال لسعيهم في موجباتها ، واشتراك الفريقين في جنس العذاب لا يوجب التساوي في النوع ؛ بل يختلف بحسب اشتداد الكفر وخفته .

ولما كان معظم السياق للعبادة ، والترغيب فيها من القراءة والسجود والانفكاك عن الكفر ، لم يذكر التأبيد بلفظه ، بل اكتفى بما دل عليه ، وقال في نتيجة ما مضى : { أولئك } أي البعداء البغضاء { هم } أي خاصة بما لضمائرهم من الخبث { شر البرية * } أي الخليقة الذين أهملوا إصلاح أنفسهم ، وفرطوا في حوائجهم ومآربهم ، وهذا نار لأرواحهم حين ينادى عليهم به .