في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّـٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (31)

17

والإشارتان الواردتان هنا عن الصافنات الجياد وهي الخيل الكريمة . وعن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان . . كلتاهما إشارتان لم تسترح نفسي لأي تفسير أو رواية مما احتوته التفاسير والروايات عنهما . فهي إما إسرائيليات منكرة ، وإما تأويلات لا سند لها . ولم أستطع أن أتصور طبيعة الحادثين تصوراً يطمئن إليه قلبي ، فأصوره هنا وأحكيه . ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسيرهما وتصويرهما سوى حديث صحيح . صحيح في ذاته ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة . هذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً . ونصه : قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة . كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون . . وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا ، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق . ولكن هذا مجرد احتمال . . أما قصة الخيل فقيل : إن سليمان - عليه السلام - استعرض خيلاً له بالعشي . ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب . فقال ردوها عليّ . فردوها عليه فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه . ورواية أخرى أنه إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها لأنها كانت خيلاً في سبيل الله . . وكلتا الروايتين لا دليل عليها . ويصعب الجزم بشيء عنها .

ومن ثم لا يستطيع متثبت أن يقول شيئاً عن تفصيل هذين الحادثين المشار إليهما في القرآن .

وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان - عليه السلام - في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله انبياءه ليوجههم ويرشدهم ، ويبعد خطاهم عن الزلل . وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع ، وطلب المغفرة ؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء :

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّـٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (31)

{ إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } الصافنات : جمع صافن ، وهو الفرس الذي يرفع إحدى رجليه أو يديه ويقف على طرف الأخرى ، وقيل : الصافن هو الذي يسوي يديه ، والصفن علامة على فراهة الفرس ، والجياد السريعة الجري واختلف الناس في قصص هذه الآية ، فقال الجمهور : إن سليمان عليه السلام عرضت عليه خيل كان ورثها عن أبيه وقيل : أخرجتها له الشياطين من البحر ، وكانت ذوات أجنحة ، وكانت ألف فرس ، وقيل : أكثر فتشاغل بالنظر إليها حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العشى " العصر " فأسف لذلك ، وقال : ردوا عليّ الخيل وطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف حتى عقرها لما كانت سبب فوات الصلاة ولم يترك منها إلا اليسير فأبدله الله أسرع منها وهي الريح ، وأنكر بعض العلماء هذه الرواية ، وقال : تفويت الصلاة ذنب لا يفعله سليمان وعقر الخيل لغير فائدة لا يجوز ، فكيف يفعله سليمان عليه السلام ؟ وأي ذنب للخيل في تفويت الصلاة فقال بعضهم : إنما عقرها ليأكلها الناس ، وكان زمانهم زمان مجاعة فعقرها تقربا إلى الله ، وقال بعضهم : لم تفته الصلاة ولا عقر الخيل ، بل كان يصلي فعرضت عليه الخيل فأشار إليهم فأزالوها حتى دخلت اصطبلاتها فلما فرغ من صلاته قال : ردوها عليّ فطفق يمسح عليها بيده كرامة لها ومحبة ، وقيل : إن المسح عليها كان وسما في سوقها وأعناقها بوسم حبس في سبيل الله .